حج - رحلات مكية

الحج كرنفال سنوي للأرواح والمشاعر والعقول، يجمع الملايين حول الكعبة. والكتاب الذي أعده الشاعر محمد أحمد السويدي عن رحلات الحج يتضمن 365 مشهدا تعبيريا بالكلمة والصورة من مشاهد ذلك الكرنفال المبارك. الكتاب بعنوان "لبيك، اللهم لبيك"، وهو لوحات بانورامية مختارة من نصوص عشرات الكتاب القادمين إلى مكة من مختلف البلدان وعبر مختلف العصور. وحين تدخل في لب الكتاب، فأنت لا تؤدي فريضة حج واحدة وحسب، لكنك تنعم بالحج مئات المرات، وتأنس بلقاء الملايين من الحجيج في كل قراءة. ولا تنس أن رحلة الحج كانت برا وبحرا، وهي محفوفة بالأخطار. إن متعة الاطلاع على لمحات من خواطر هؤلاء الحجاج ومشاهداتهم لا تقل عن سعادة الملبين لأداء هذه الفريضة الإلهية.


إعداد: محمد أحمد خليفة السويدي

الصلاة فوق سقف الكعبة (03:00)

تأليف: عبد الله بن محمد العيّاشي

ولما رجعنا من جدة وجدناهم قد شرعوا في تجديد السقف الأعلى للبيت العتيق، وذلك أن للبيت سقفين بينهما مقدار ذراعين ونصف، أو ثلاثة على ما قيل، صيانة له عن وصول شيء من التغير إليه بنزول ماء أو غيره، فإن احتاج أحدهما إلى تبديل كان الآخر صونا للبيت. ثم إنه بعد ذلك السيل المتقدم ظهر في البيت شبه أثر قطر، فكشف عن ذلك، فوجد في بعض خشبات السقف الأعلى متآكل بالأرضة لطول العهد، فاقتضى نظر الخاصة تجديد السقف كله، فشرعوا في ذلك يوم الاثنين الثالث عشر من شوال، فنصب سلاليم من جهة الحجر مشدودة بحبال وأعمدة متخذا لها شبه سرير من خشب في الهواء في مقابلة حزام ستر البيت يصعد منها الفعلة، ونصبت خصفات من الجريد على المحال التي يخشى عليها التلوث من أستار البيت، وجعلوا فيها بين الركن اليماني والحجر من أعلى البيت جرارة تجذب اللبن والجبص، واختير لذلك من الفعلة ما يحتاجون إليه، وبعثوا إلى نقل خشب الساج من جدة فجئ بخشبتين عظيمتين لتنصب عليهما الجوائر. قيل لي إنه اكترى على حمل كل واحدة من جدة إلى مكة بمائة وثلاثين ريالاً، وتنافس الناس في العمل في ذلك ابتغاء الأجر، وقد منّ الله علي بالصعود يوما من الأيام ضحى بواسطة الحاج سليمان، صاحب لي صعيدي كان من الفعلة، فصليت في سطح البيت عدة ركعات، وناولتهم شيئا من الطين واللبن تبركاً بالخدمة، وأعطوني شيئاً من الخشب المنكسر المقطوع في حال الإصلاح، وتحيّلت على أن اشتريت نحو ثلاثين لبنة من خالص ما أجد، أدخلت في بناء البيت كل ذلك تطفلاً على باب أرحم الراحمين بالانتساب إلى ما صحت نسبته إليه من بيت وغيره وهو أكرم الأكرمين، فلا يخيب من تطفل عليه وما أخرج من الخشب من سقف البيت جعل فيما احتيج إليه من سقوف القبب والمنارات، وأما التراب فكوم في جانب من المسجد وقالوا إنه يجعل دكة، وأخذ الناس من نجارات الخشب وبعض التراب للبركة، وكثير من الناس لا يجيز ذلك بناء على أنه كتراب الحرم وأحجاره وأشجاره لا يجوز إخراج شيء من ذلك، ومن أخرج شيئاً من ذلك وجب عليه رده على ما نص عليه علماء الشافعية، وتبعهم على ذلك جماعة من المالكية ممن ألف في المناسك. قال ابن فرحون في منسكه: وهو لا يجري على أصول المالكية، بل الجاري على أصولهم الجواز، واستدل على ذلك بأشياء يطول ذكرها. وهذا مستندنا في نقل ما نقلنا من خشب سقف البيت للبركة، والله ولي التوفيق.
----------------------------------------------------


ثمانية قهاوي بين مكة وجدّة (03:00)

تأليف: عبد الله بن محمد العيّاشي

ولما خرجنا من مكة عن الثنية السفلى إلى مناخ الحجاج أسفل ذي طوى عدلنا ذات اليسار قليلاً، وسلكنا في شعاب هناك وعقاب ليست بالوعرة. وبين مكة وجدة ثمانية قهاوي ينزل المارون في كل قهوة فيستريحون ويشربون القهوة أو الماء، ويشترون علفا للدواب، فأولها قهوة في مقابلة [التنعيم|: موضع بين مر وسرف، بينه وبين مكة فرسخان، ومن التنعيم يحرم من أراد العمرة في شعب مررنا عليها قرب المغرب، والثانية في منفسح الوادي الذي يخرج منه إلى رمال الحديبية، والثالثة عند بئر الحديبية عند منتهى الحرم، ومنها يحرم الناس بالعمرة، من شاء منهم. وحول البئر مسجد معطل قد انهدم أكثره، وقد طلبنا من أهل القهوة حبلاً ودلواً حتى استقينا منها وشربنا من مائها للبركة، لما ورد في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم برك عليها حتى غزر ماؤها. والرابعة: في قرية تسمى حدّة قريبة من شفير الوادي الكبير الذي يأتي أصله من مَرِّ الظهران، وفيه أثل وعشب كثير، ومزارع إذا جاء السيل. ثم الخامسة: حول مزرعة هناك كبيرة، يجلب منها بطيخ كثير إلى مكة مشهور عندهم بالجودة. والسادسة: عندما يريد الذاهب الصعود إلى جبال يمر الطريق بوسطها. والسابعة: عند منقطع الجبال حيث ينحدر الذاهب إلى مكة. والثامنة: جدة. وقد بلغنا إليها بعدما ارتفعت الشمس جداً، ومتع النهار، واشتدَّ الحرّ. وهي مدينة كبيرة ممتدَّة مع ساحل البحر نحو ميلين، في كلا طرفيها حصار متقن البناء، فيه مدافع كثيرة، وعسكره لا يفارقه.
----------------------------------------------------


هذا الجبل اسمه هرشى (03:00)

تأليف: محمد الأمين الشنقيطي

ثم سافرنا من مكة المكرمة بعد أن اعتمرنا من التنعيم وطفنا وقت السفر طواف الوداع، ودعونا الله ألا يجعل ذلك آخر عهدنا ببيته الحرام، فبتنا ليلة في جدة ، وتوجهنا إلى المدينة وركبنا في سيارة ومالكها معنا وهو يحفظ القرآن العظيم وعرض علينا في الطريق أجزاء عديدة من القرآن، أي: حفظاً، هذه قراءة العرض، ولا بأس بقراءته وحفظه، ووقفت بنا السيارة بعد المغرب في محطة اسمها ذُهْبَان، ثم مرت بنا على محطة اسمها: توَل هذه يسمونها الآن البادية، تول بإسكان التاء وغيرهم والحاضر يقولون تُول، ووقفت فيها قليلاً ثم سارت بنا إلى البلدة المعروفة رابغ وذكر قول الشاعر هنا:
 فلما أجزنا الميل من بطن رابغ            بدت نارها قمراء للمتنور
 ولما أضاء الفجر عنّا بدت لنا ذرى النخل والقصر الذي دون عزور، فإذاً هذا موضع آخر عزور هذا في الطريق، وكان كلما جاء إلى مكان، هو يراه لأول مرة، ولكن اسم المكان معروف عنده من شواهد العرب من قبل، فكل ما جاء على بلد وعلى مكان يتذكر ما قيل من الشعر في هذا المكان، قال: ووجدنا غالب الطعام الموجود فيها لحم السمك، وقال: ثم ذهبنا في تلك الليلة من رابغ بعد ظرف قليل من الزمن، صعدت بنا السيارة جبلاً عُبدت فيه الطريق للسيارات فقال لنا صاحب السيارة: هذا الجبل اسمه هرشى ، فتذكرت قول الشاعر:
 خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه            كلا جانبي هرشى لهن طريق
 وأخبرته أنه يُروى، وهذا السفر طبعاً يقطع بمنح وبأشياء وملح وطرائف، فأخبرتهم أنه يروى عن بدوي من الأعراب أنه قرأ سورة إذا زلزلت، وقرأ فيها فمن يعمل مثقال ذرة شراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، فقالوا له: قدمت المؤخر وأخرت المقدم، أي: الآية، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه [الزلزلة:7] الخير أولاً ثم الشر، فقال لهم:
 خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه              كلا جانبي هرشى لهن طريق
قال هذا من جهله وجفائه. 
----------------------------------------------------


أين جمال الكعبة؟ (03:18)

تأليف: مهدى قلى خان

فى اليوم السادس من ذى الحجة اتجهنا إلى مكة المكرمة، وقد تورمت قدماى وقدما عبدالله أكثر من الآخرين، ولم نعد قادرين على لبس الأحذية. وقد ركبنا عدة عربات تجرها الخيول، وأقيمت فى الطريق بعض المنازل وبخاصة فى منطقتى "بهره" و"حَدَه"، وكان بالمنزل خزان للمياه، وقد بنيت به حجرتان صغيرتان وأمامها إيوان تحيط به مساحة خضراء، وكانت مساحته تقترب من ثلثى فرسخ عرضا وطولا، 
وما أن أقبل الصباح وعم الضياء حتى تحركت القافلة مواصلة المسيــر، ولكن لم تمض ساعة إلا وقد عمت الجلبة والضوضاء، حيث هاجم البدو القافلة وسمعنا أصوات طلقات الرصاص دون أن نرى من يطلقونها، وكانت خطة هؤلاء الأعراب تتمثل فى إيقاع القافلة فى كمين، حيث يطلقون نيران بنادقهم، فيختلط الحابل بالنابل فى القافلة، فإذا بأفراد الطرف الآخر من هؤلاء الأعراب يندفعون لمهاجمة القافلة وسلب ونهب كل ما تصل إليه أيديهم، وإذا حاول أحد أفراد القافلة التصدى لهم فإنهم يسارعون بطعنه بخناجرهم، ويخلفون وراءهم الجرحى أو القتلى، وقد جرحت امرأة تركية وقتل رجل، مما جعلنا نردد قول الشاعر سعدى (م691هـ):
- "أيها الحادى، أين جمال الكعبة، وقد ألم بنا الموت عبر صحرائها"
واقترب الخطر منا رويداً رويداً، فتوقفنا عن المسير، وترجل بعضنا، وقفز البعض الآخر خارج العربات، وتملكتنا الحيرة والدهشة، حيث كان معنا الحاج قاسم النامى الذى رافق الرحلة من مصر لحمايتها وحراستها، وكانت معه بندقية وبعض الأسلحة البيضاء، ولكن سرعان ما اختبأ وراء تل مرتفع يحتمى به مصداقاً للمثل القائل: "عند الامتحان يكرم المرء أو يهان"، ثم نادى أحد الرفاق على بقية زملائه قائلاً: هيا تعالوا خلف التل. 
عاد الهدوء مرة أخرى بعد ذلك، وطمأننا رئيس الحرس بأنه لم يعد هناك خطر وأخبرنا بأن الشريف قد أذن له بالدفاع عنا إذا تعرض الأتابك ومن معه لأى خطـر، ومع هذا فقد أصاب هؤلاء الأعراب أحد أفراد القافلة، كما أصبت أنا أحدهم، لذا فقد أدركوا أن الضرب مسموح به لهذه القافلة فلم يقتربوا منها بعد ذلك. 
----------------------------------------------------


في سيّارة لوري (01:49)

تأليف: د. محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف

غادرت جدة بعد العشاء محرما ... وركبت سيارة لوري كبيرة شحنت بامتعة الحجاج وشحن فيها سائقها أمتعة له كثيرة أيضا فصار من المتعذر على الراكب أن يجد مكانا في الأرض يضع رجليه فيه ، وربطت الحقائب والامتعة في اللوري بجوار رؤوسنا فصار الهواء قليل الدخول غلينا وصارت رؤوسنا مهددة . سار اللوري بسرعة طيبة من حسن الحظ وكان بجواري كهلان أحدهما إلى يميني والآخر إلى يساري وكان هذا يحمل قصرية لأنه مصاب بسلس بول فكان الجلوس بجواره متعبا، وأما الآخر فقد كان كثير التأوه لأن جسمه لم يكن يتحمل سرعة سير السيارة وارتجاجها  ولطالما التمس أن يخفف السائق السرعة فلم يذعن له وأخيرا طلبنا جميعا وبقوة من السائق أن يجلسه بجواره ففعل.والطريق ليس ممهدا وفيه رمال وأخاديد ولذلك كان يخشى على رؤوسنا من التهشيم باصطدامها بسقف اللوري وفيه أعمدة ، وبالفعل أصيب رأسي مرة او مرتين بصدمات شديدة ولكن الله سلم والحمدلله).
----------------------------------------------------


أنا أسجد لله (01:27)

تأليف: رحلة مانسا موسى

كان مانسا موسى من أعظم ملوك السودان  قيل أنه بعد أن قدم إلى الخزينة السلطانية بمصر أحمالا كثيرة من الذهب المعدني حاول ان يطلعه للقلعة  مقر الملك حيث يجتمع بالسلطان قلاوون فأبى قائلا : أنا جئت لأحج لا لشيء آخر ، وما أريد أخلطه بغيره!! وكان الاعتذار من المانسا بسبب ما بلغه من أن عليه أن يقبل الأرض أو اليد على الأقل كما كانت المراسيم المصرية تفرضه آنذاك! وأمام غلحاح التشريفات السلطانية في إحضار المانسا وافق معتقدا أن رسالته بالاعتذار للسبب المذكور قد وصلت .. لكن الذي حصل أنهم أوعزوا إليه في القصر أن يقبل الأرض فأبى إباء ظاهرا وحاولوا أن يفسروا له الوضع لكنه أجاب : أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني وسجد لله على أرض الله.
----------------------------------------------------


السرّاق (02:11)

تأليف: عبد الله بن محمد العيّاشي

وبتنا في المنزل الذي اكتريناه ليلتين لقربه من المسجد اغتناما للطواف بالليل فإن الطواف بالنهار كالمتعذر من شدة الحر، مع ما لا بد منه من الأشغال، وتركنا الخباء والإبل ﴿تلك الليالي﴾( ) بمنزلنا بالحجون، يبيت فيه بعض أصحابنا، ولقوا من أذى السراق بالليل شدة؛ فإنهم يهجمون على الناس هجوماً ويعظم أذاهم في أيام الموسم لقلة الحكم بتهاون الحكام وإرخاء العنان لهم في ذلك، وقد قيل إنهم يأخذون منهم جُعْلا( ) على ذلك في أيام الموسم، فإذا أتي إليهم بسارق أدخلوه الحبس على أعين الناس، فإذا جن الليل أخرجوه. وأما في غير الموسم ففي تلك البلاد الحكم التام الذي لا يوجد في بلد من البلاد، ويعتلّون في أيام الموسم باختلاط الناس من جميع الآفاق، وتعدد الحكام؛ إذ لكل ركب حاكم، ويقولون لو أطلقنا اليد في الحكومة على كل سارق ربما وقعنا في بعض خدام أمراء الأركاب فيؤدي ذلك إلى الهرج في أيام الموسم، وتلك حجة ضعيفة.
----------------------------------------------------


الحلاّقون (02:11)

تأليف: عبد الله بن محمد العيّاشي

ولم يتيَسّر النزول فمضينا كذلك على الطريق الكبير التي تشق منى حتى أتينا جمرة العقبة ورميناها بسبع حصيات من أسفلها، وملنا إلى الحلاقين الذين هناك وحلقنا، وكان أهمني أمر الحلق لأن الحلاقين في ذلك اليوم خصوصاً أول الوقت، يكثر الزحام عليهم فلا يستوعبون الرأس بالحلق ولا يحسنونه، ويكتفي منهم أكثر الناس بذلك، فإذا حلقوا ناحية من الرأس وبعضها قالوا: يكفيك هذا فقد أحللت طلباً للتفرغ لآخر استكثاراً في الأجرة، فيصدقهم كثير من الناس في الاكتفاء بذلك، وقد مَنَّ الله علينا برجل من أهل مصر عليه سيما الخير، فحلق لنا كما ينبغي ودفعنا له أجرته. ثم ذهبنا كذلك ونحن نخاف أن لا ندرك البيت مفتوحاً، ولا شيء أهم عندي من ذلك حتى دخلنا المسجد الحرام فوجدنا البيت مفتوحاً فقصدناه وقدمنا دخوله على الطواف خشية أن يفوت فلا يمكن تداركه، فيسَّر الله دخوله بلا كلفة ولا مشقة ولا سوء أدب، ولم ندفع أجرة في ذلك لأحد، فوجدنا به بعض زحام وصلينا إلى جوانبه الأربع، وغلبنا الحر من شدة الحر فيه لكثرة ازدحام الناس، ودعونا الله تبارك وتعالى فيه بما أطلق ألسنتنا به من خير الدنيا والآخرة، ودعونا لإخواننا ومن خلفناه في الرحال وكفانا مئونتها حتى فزنا بهذه البُغية.
----------------------------------------------------


نعمة البنّ (02:03)

تأليف: عبد الله بن محمد العيّاشي

مما أنعم الله به على أهل الحجاز هذا البن لأنهم ضعفاء فقراء في الغالب، والناس يقدمون عليهم من الآفاق، والإنسان لا بد له من طعام يقدمه لمن دخل عليه، ولا قدرة لهم على تكلف ذلك لكل أحد يدخل عليهم، وهذه القهوة خفيفة المؤنة، والناس راضون بها غنيهم وفقيرهم، ورئيسهم ومرؤوسهم، فكانت صيانة لوجوه الفقراء عند ورود أحد عليهم، فلا يبعد أن تكون مستحبة عند أهل الحجاز لأن اتخاذ الإنسان ما يصون به عرضه مطلوب شرعا. قال ذلك في معرض المزاح وقد سئل عن حكمها.
وذكر غير واحد ممن تكلم عليها أن أول من أحدثها وأخرجها من أرض اليمن الشيخ الولي الصالح المتفق على ولايته سيدي علي بن عمر الشاذلي اليمني، وأمر أصحابه بشربها ليستعينوا بذلك على السهر في العبادة، ثم لم يزل أمرها يفشو شيئاً فشيئاً، ومن بلد إلى بلد، إلى أن آل إلى ما آل بحيث عمت البلاد المشرقية وكثيراً من المغربية، فيحمل منها في كل سنة من بلد اليمن إلى كل أفق من الآفاق، شرقاً وغرباً، آلافاً من الأحمال، فتدفع فيها أموال قلما تدفع في غيرها من التجارة.
----------------------------------------------------


الحاجة ميشائيلا (03:16)

تأليف: الحاجة ميشائيلا (الطبيبة الألمانية)

فهذان رجلان يريدان الاقتراب من الكعبة، ولمس الحجر الأسود، فيفتشان عن نقط ضعف بين الصفوف، يمكنهما الولوج منها إلى الكعبة، فيجدان هذه الحاجة الألمانية ومعها الحاجة التركية وحدهما، فيزيحانهما بعنف شديد جانبًا، ليأخذا مكانهما، وهؤلاء مجموعة من ستة رجال في رمي الجمرات، يصيحون مكبرين، «الله أكبر»، ويركلان ويضربان ويدفعان كل من يقف في وجوههم، ليوسعوا لأنفسهم الطريق، فتنال الحاجة الألمانية قبضة على رأسها، تجعلها تشعر بدوار وتفقد الوعي، وتكاد تسقط بين الأقدام، فيدوس عليها الجميع، ولكن الزحام الشديد، يحول دون سقوطها، بإذن الله، وهذا رجل يحيط بزوجته أو ابنته أو أمه، فتجده يوسع حولهم الطريق، ويبعد كل الناس، ولا تفهم سببًا لكل هذا العنف، وفجأة تجد من يتبادل السباب والشتائم، بل وربما الضرب والعراك المستعر، وتجد شخصًا يصعد فوق رقاب الحجاج ويدوس على رؤوسهم ليقترب من الكعبة، غير آبه بما يخلفه من ألم للآخرين، بل وربما تسبب في موت أحدهم، ولكنه يواصل «السباحة فوق الرؤوس»، وتقول ميشائيلا إنها تعتبر مرتكبي العنف بين الحجاج، مثل خلايا السرطان في الجسم، عناصر تتحول من خلايا سليمة إلى شيء فاسد خبيث، ينتشر، فيؤذي من حوله. 

أما ما جعل الحاجة ميشائيلا تتألم أكثر من العنف البدني، فهو التعنيف الذي وجهه لها رجل، بعد أن سقط حجابها بسبب الضربة التي أفقدتها الوعي، ولم يبق على رأسها سوى الغطاء الداخلي للرأس الذي يكشف بعض شعرها، فسبها الحاج الذي رأى أنها تفتنه، وتفتن الرجال بشعرها، وسيدات أخريات ينظرن بقرف لها، ثم يشرن إلى شعرها باستياء شديد، ويتساءلن باستهجان، إذا كان هذا ما تعلمته عن الإسلام في بلادها، ولكنها تحمد الله أن هناك من النساء من يرق لها، ويبتسم لها، ويحمد الله أن هداها للإسلام، وتشيد ببعض الحجاج لبشاشتهم ونظامهم وهدوئهم وحسن خلقهم، ومساعدتهم الجميع. 

----------------------------------------------------


محاولة اغتيال الملك (03:00)

تأليف: تاكيشي سوزوكي أو الحاج محمد صالح

حين كنت أقوم بهذا الطواف في حجي الأول عام 1935م، حدثت واقعة تاريخية هنا، وهي أخطر واقعة في الجزيرة العربية، هكذا قالت الصحف، شاهدت الملك ابن سعود وهو يتعرض للاغتيال، لا يمكن أن أنسى هذا أبدًا، ولحسن الحظ، وبفضل الله، فشلت محاولة الاغتيال، لكن هذا الحدث أوضح للناس أن هناك من يتأبط شرًا، ويتربص بأمن واستقرار الوضع في جزيرة العرب، كما أوضح للناس أن هناك نوايا مغرضة تجاه الجزيرة العربية. 
شاهدت الملك الشجاع ابن سعود، ويمكن أن نستشف تاريخ حياته من خلال ملامحه ومظهره، بما في ذلك سلوكه غير العادي، وثباته، ودرايته، وطريقة تصرفه في مثل هذا الموقف الحرج، لا أحد ينكر ـ بعد مشاهدة هذا الحدث ـ أنه بطل الجزيرة العربية، شاهدت (بأم عيني)، ورأيت بكل وضوح كيف تصرف في ذلك الوقت، وشاهدت كل ما حدث من البداية حتى النهاية.. إنني أبجله كثيرًا، وأكن له كل الاحترام، من أعماق قلبي.  كان الملك ابن سعود يطوف حول الكعبة المشرفة، جئت للحج أول مرة، وفي مثل هذا اليوم انتهينا من (رجم إبليس)، وجئت لطواف الإفاضة. في ذلك اليوم (15 مارس عام 1935م) وفي الساعة العاشرة صباحًا جئنا للطواف بمكة المكرمة، وفي ذلك الوقت جاء الملك ابن سعود مع خمسين من حرسه الخاص، ليطوف حول الكعبة، وكان الملك وحرسه في ملابس الإحرام أيضًا، وكان عدد قليل من الحرس يمسكون ببنادقهم، وبينما كان الملك ابن سعود يطوف، طلب من بقية الحجاج أن يفسحوا الطريق للملك حتى ينتهي من الطواف. كان الملك يقرأ القرآن الكريم، ويتوجه بالدعاء لله، وكذلك كان الحرس المرافق له، وانتهى الملك من الشوط الرابع في الطواف، وفي وسط الشوط الخامس، وفجأة اندفع خمسة رجال، خرجوا من بين الناس، وكان بيد كل واحد منهم خنجر، فهجموا على الملك. ظننت أنه قتل، لكن الشجاعة تحمي الإنسان دائمًا بعد حماية الله كان مشهدًا من مسرحية، استغرق لحظات. أطلقوا النار على ثلاثة من المهاجمين وقبضوا على واحد منهم، حدث كل هذا بسرعة عجيبة، عند سماع صوت أعيرة الرصاص تنطلق من البنادق قال الملك: ـ لا تقتل.. لا تقتل.. اقبض عليه. 
لا أزال أتذكر صوت الملك وهو يردد: لا تقتل.. لا تقتل.. اقبض عليه. بعد الانتهاء من تلك المشكلة، ساد الهدوء الحرم مرة أخرى، كما لو لم يكن قد حدث أي شيء من قبل، وتابع الملك ابن سعود طوافه حتى النهاية! آه! هذا الجسم القوي الفارع، الذي يزيد طوله عن مئة وثمانين سنتيمترًا، وذلك التصرف في مثل تلك الظروف، ثم تصرف الملك بعد انتهاء الحادثة، والهدوء العجيب الذي غطى قسمات وجهه، والسماحة التي كانت تشع من عينيه.. 
----------------------------------------------------


الملابس المزركشة (02:46)

تأليف: تاكيشي سوزوكي أو الحاج محمد صالح

وصلنا إلى السطح وأخذنا نتصبب عرقًا، بينما جذب العجوز مفتاحًا من بين «ربطة» المفاتيح التي ثبتها في خصره، ووضع المفتاح في فتحة الباب. لحظة مثيرة جدًا، يمكن أن ترى غرفة الحريم الآن. ذهبت جميع النسوة إلى عرفات، وهذا يمكن أن نزور غرفهن بسهولة، ومع أن هذا العجوز صاحب البيت له الحق في أن يشاهد كل مكان في بيته، لكن ليس له الحق في أن يرى غرفة الحريم. يبدو أنه كان فخورًا بأن جعلنا نشاهد غرفة الحريم هذه، بصفتنا من كبار الضيوف، وها هي غرفة الحريم أمامنا. غرفة جميلة للغاية، جميلة جدًا، إذا ما قارناها بغرفتنا، كانت هناك طاولة مصنوعة من نوع خاص من الخشب، وبجوارها مرآة كبيرة، وامتلأت الغرفة بزخارف متعددة الأشكال ومختلفة الأنواع، طغى عليها اللونان: الأحمر والأزرق. 
شعرت فجأة أنني دخلت عالمًا آخر مختلفًا تمامًا، لا يمكن أن أعبر عنه بالكلمات، شاهدت ملابس النساء معلقة في ركن الغرفة، وملابس الشابات الصغيرات التي كانت تشبه الزي الإسباني المزركش، كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها ملابس النساء الملونة المزركشة، منذ أن دخلت جزيرة العرب، فعادة ما تغطي المرأة العربية جسمها من أعلاه إلى أسفله بملابس سوداء، ولا يمكن لأحد أن يرى وجوههن، وحتى بالنسبة لنا أيضًا لم نر وجه واحدة من النساء على الإطلاق، لهذا لم أكن أتصور أن تحت هذه الملابس السوداء التي يرتدينها مثل هذه الملابس الجميلة الملونة المزركشة. 

----------------------------------------------------


الملك يشدّ على يدي (04:10)

تأليف: تاكيشي سوزوكي أو الحاج محمد صالح

حين وصلنا القصر كان ممثلو وفود الدول قد سبقونا، وجدنا عددًا كبيرًا من الناس في المدخل الأمامي للقصر، قادني أحد الحراس إلى غرفة الانتظار، في الجانب المقابل للمدخل، وتعجبت، فقد وجدت في داخل الغرفة خيمة كبيرة، خيمة رائعة!! كان فيها حوالي مئة مقعد، لا يمكن أن أتصور جمال السجادة الحمراء المفروشة على الرمال داخل هذه الخيمة، كان لون السجادة يتماشى تمامًا ويتناسب مع قماش الخيمة الأخضر من فوقنا. 
كان أكثر من نصف المقاعد قد شغلت، جلس عليها الضيوف في انتظار دورهم للسلام على الملك ابن سعود، بعد مدة جاء أحد الجنود يرتدي ملابس نجدية تقليدية، ويضع سيفًا طويلًا في وسطه، وخنجرًا على صدره، فقدم لنا عصير الليمون، وبعدها قدم أحد الحراس في ملابس نجدية عسكرية تقليدية، وقد وضع فوق هذه الملابس معطفًا طويلًا أخضر اللون، وعلى كتفه علامات نسجت بخيوط مذهبة، فقادنا للسلام على الملك. 
تطلع إلينا الناس الذين كانوا ينتظرون، فقد فكروا أن مقابلة الملك ستتم بترتيب الوصول إلى هذا المكان، لكنهم هنا عاملونا دائمًا معاملة خاصة، لأننا لم نضطر إلى الانتظار، فنلنا بسرعة شرف لقاء الملك. كانت مساحة الغرفة التي يقابل فيها الملك الضيوف حوالي مئة «تتامي» (ما يعادل 125 مترًا مربعًا) ولها مدخلان: مدخل على اليمين، وآخر على اليسار، ومن يدخل من جهة اليمين يشاهد من فوره الملك الذي يقف أمام هذا المدخل، وعندها يصافح الملك ثم يخرج من الباب الموجود جهة اليسار. أمام المدخل وضعت أحذية الناس الذين قدموا للسلام على الملك، كما هو الحال في اليابان، يجب أن تخلع هنا الأحذية قبل الدخول إلى الغرفة. ويجب أن أذكر هنا أن الغرفة التي يقابل فيها الملك الضيوف، تخلو تمامًا من الصور والزخارف، فالسلفيون لا يحبون الزخارف والصور ولا يميلون إلى التبذير والترف، ولهذا لم يكن من المناسب زخرفة الغرفة هنا. بالنسبة لي.. هذه هي المرة الثالثة التي أقابل فيها الملك ابن سعود. صافحني الملك وصافح السيد تشان، وشد على أيدينا لفترة. الملك العظيم الذي أنجبته جزيرة العرب.. الآن يمكن أن أشعر بحرارة يد هذا الإنسان العظيم. حين صافحته انهمرت الدموع من عيني، غلبت مشاعري علي، لم أتمالك نفسي، لم أستطع أن أدقق في وجه الملك، فقد غطت الدموع وجهي، بما في ذلك عيني.. أمسك الملك يدي لفترة.. كل ما أحسست به في أعماقي، ومن داخل قلبي هو عينا الملك، ودموعي، ومصافحته لي. لحظات شكلت خليطًا من المشاعر التي لا يمكن أن أصفها، ويمكن فقط للآسيويين فهمها، لحظات مملوءة بالانفعالات المتداخلة. 

----------------------------------------------------


الربان الإنجليزي. لعنة الله على جنسه! (02:02)

تأليف: جرفيه كورتلمون

يتمتع الربابنة العرب في البحر الأحمر بكفاءة عالية، لكن.. «قدر الله لا يعلم به إلا هو، كما يقول لنا أصحاب القوارب التي تنقلنا إلى البر، وهم مجربون حقيقيون للسفن، يتكلمون وهم يفغرون أفواههم بالضحك حتى تنكشف أطراف أسنانهم الحادة. هكذا ترى يا أخي هذه السفينة الغارقة هنا في ميناء جدة. فقد كانت سفينة بخارية جميلة قدمت من موغادور (الصويرة حاليًا) من طنجة. كانت محملة بالحجاج المغاربة: إلا أن الربان الإنجليزي. لعنة الله على جنسه! كان قاسيًا ولا إنسانيًا مع إخواننا خلال رحلة العبور كلها.. وهكذا، وبمجرد أن أصبحت الأرض المقدسة على مرمى البصر. دفعه الله غصبًا عنه نحو الساحل، وذلك على الرغم من كفاءته العالية. لقد نجا جميع الركاب لأن ربك عادل، لكن السفينة ضاعت عن آخرها. إن الله على كل شيء قدير، وكان في ذلك نعمة غير متوقعة لنا، لأننا حصلنا على مكسب جيد من إنقاذ ما تبقى من حمولتها. 

----------------------------------------------------


ليلة حزينة كئيبة (02:15)

تأليف: جرفيه كورتلمون

بقيت في إحدى الزوايا أقوم بحراسة أغراضنا، فأثرت انتباه أفراد الشرطة الأتراك الذين اقتادوني دون أي سبب إلى المركز. إنها بداية سيئة، فأنا لا أعرف اللغة التركية، وعربيتي الجزائرية لا يفهمها أحد، وجواز سفري عند الحاج، كل شيء أصبح يتعقد ويختلط، ومن حسن الحظ أن مرافقي وصل، فشرح لهم كل شيء، ثم قمت بدفع واجبات الصحة، ووضع التأشيرة على الجواز، بالإضافة إلى البقشيش طبعًا، وبذلك أصبحنا أحرارًا... إلا أننا تحت المراقبة.. إلى حدود السكن الذي اخترناه عند عبدالرحمن أفندي.. المترجم المعتمد لدى القنصلية الفرنسية، روقبنا عند أول خروج لنا، إذ كنا نسأل كما لو أن ذلك يتم بالمصادفة في محلات التبضع حيث نشتري بعض الحاجات.. كانت الليلة الأولى حزينة بل كئيبة، أحنى الحاج آكلي رأسه، لا يعرف الموقف الذي يجب اتخاذه ولا المشروع الذي سيقوم به، وبدا له هذا التوقيف الأول الذي تعرضت له نذير شؤم. فأمرني بقص شعري عند أقرب حلاق، وتغيير بذلتي، وظل يذهب ويجيء وهو في حالة عصبية يغير مشروعه وأفكاره عشرات المرات في الساعة.. وفي اليوم التالي وبعد ليلة من الهدوء والراحة هدأ روعه. فوافق على مرافقتي للقيام بجولة طويلة في مدينة جدة. 
----------------------------------------------------


(أرسلته العناية الإلهية) (02:28)

تأليف: جرفيه كورتلمون

لم يكن أمامنا سوى وسيلتين للنقل، ويجب أن نختار إحداهما لقطع مسافة الـ87 كلم التي تفصل مكة المكرمة عن مدينة جدة، الجمال أو الحمير، كنت أرغب في امتطاء الجمل الذي أحب خطواته التي تشبه المهد ومشيته الاسترخائية، الجمل هو المطية الحقيقية في هذه الأماكن المقفرة والقاحلة، أنه الجمل المثير للسخرية، والمعاند. وعلى الرغم من أن مواقفه غريبة إلا أن قلبه طيب، إنه الجمل الذي لا يتوقف عن الشكوى، سواء عند تحميل الأغراض عليه أو عند إنزالها، في الوقوف وفي البروك، لكنه يسير دائمًا دون أكل أو شراب، إنه حيوان مناسب (أرسلته العناية الإلهية)، خلق للصحراء لمواجهة كآبة هذه البلدان العتيقة الميتة ولعزلتها التي لا نهاية لها. كان علينا أن نقضي يومين في السفر، بينما كنا نستعجل الوصول، فالطريق غير آمنة، لانها ملأى بالبدو النهابين. ولكون حمير الحجاز مدربة على نقل المسافرين، وأصبحت لها سمعة جيدة في هذا المجال، فإننا سنتمكن من قطع المسافة بين جدة ومكة المكرمة بمرحلة واحدة، بل الأحسن من ذلك هو أننا لن نضطر إلى تغيير رواحلنا ولذا قررنا استئجار الحمير. 
----------------------------------------------------


ألست بين يدي الله؟! (02:17)

تأليف: جرفيه كورتلمون

عاري الجذع على ظهر حمار، هأنذا على الطريق أمتطي حماري، عاري الجذع، حليق الرأس، في الساعة الثانية ظهرًا، تحت وهج شمس محرقة، وأنا أعاني الخوف من ضربة شمس، فتذكرت، وآسفاه! النصائح الكبرى التي زودني بها صديقي القديم الحاج عبدالرحمن، وهي النصائح التي لم يعد في إمكاني أخذها في الحسبان، وبما أنني أخبرت الحاج آكلي بكل ما يجول في خاطري من تخوفات فقد أجابني بخشونة: ألست بين يدي الله؟! فما الذي تخشاه؟ 

----------------------------------------------------


صورة بانورامية (04:45)

تأليف: جرفيه كورتلمون

صعدنا ذات صباح إلى جبل أبي قبيس، وهو جبل وعر يشرف على المدينة، لقد كنت آمل التقاط صورة بانورامية للمدينة المقدسة من هذه النقطة.  كان الخطر مضاعفًا في هذا اليوم، من جهة تسلق الجبل الوعر. ومن جهة إثارة انتباه حراس الضريح الذين يترصدون دائمًا ما يحمله إليهم الزوار. تسلقنا الجانب الوعر من الجبل بهدوء دون أن نلتفت وراءنا. وكأننا شخصان مؤمنان لا يشغل بالهما شيء عن الورع والتقوى. ما أروع المشهد، المدينة كلها تنبسط تحت أقدامنا، كان الجو صحوًا لدرجة يمكن معها أن يرى بوضوح تام أي جسم مهما كان صغيرًا في الحرم الشريف الذي كان يوجد فيه بعض المصلين. وكالعادة، فقد كان هناك أناس بلباسهم الأبيض يطوفون بالكعبة المشرفة ذات اللون الأسود. أخذت آلة التصوير لالتقاط صور بانورامية، فالتقطت الصور على التوالي.. قلت لعبدالواحد لنذهب، لقد نجونا... لم يشعر الحراس بوجودنا،  قلت لمرشدي: أرأيت يا عبدالواحد، أن نظري سيئ لا يسمح لي بالرؤية بعيدًا، وبمساعدة هذه الآلة الصغيرة أصلحت بصري فإحدى عينيَّ تبصر بعيدًا والأخرى تبصر قريبًا، وبهذه الآلة أستطيع الرؤية بشكل أفضل. لكن عبدالواحد أجابني قائلاً: إنه يعرف ذلك، فهذه الآلات تلتقط صور البلدان. لقد رأيت آلات تشبهها سابقًا في طنجة.  فأجبته هل أذنبت يا أخي؟ وفي هذه الحالة سأقوم بتحطيمها فورًا. ـ فرد عليّ: لا يا أخي، ما دمت لا تصور الوجوه، الأمر سيان، خذ حذرك كثيرًا كي لا يراك أحد، سيتهمونك بالتجسس السياسي، وستقتل بلا شفقة ولا رحمة.. وقد حدث هذا كثيرًا في موسم الحج. أحسست فعلاً بحجم تهوري وحماقة مشروعي الذي أنوي فيه جمع الوثائق الضرورية لتأليف كتاب مدعم بالصور عن مكة المكرمة. 
----------------------------------------------------


عدد سكّان مكّة (02:06)

تأليف: جرفيه كورتلمون

أعتقد أن عدد سكان مكة المكرمة يبلغ نحو 100 ألف نسمة، أغلبهم من الهنود الذين تبلغ نسبتهم نحو 75 في المائة. وكما أسلفت القول، فإن المدينة تقع بين جبلين، في شعب ضيق وطويل يمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، ويخترقها شارع رئيسي يمتد على طولها، تتخلله بعض المنعطفات، وتلتقي عنده بعض الأزقة المجاورة له، أغلبها يتقاطع معه بشكل منحرف. 

----------------------------------------------------


يوم القيامة (01:21)

تأليف: مراد هوفمان

في الفندق الذي نزلت به التقيت مسلمين من أنحاء العالم كافة، من جزر القمر إلى واشنطن العاصمة. وكانت أحاديثنا تدور حول شيء واحد هو الإسلام. وبفضل الماقشات الفكرية التي جرت بيننا، بدت لي رحلة الحج وكأنها جامعة متنقلة. كان يجاورني في الصلاة مواطن باكستاني يعمل في بنك بالبحرين، ومواطن تركي يعمل في بوخوم. وهذا الالتقاء العالمي هو أحد أهداف الحج. كان كافة الحجاج يرتدون ملابس الإحرام نفسها، يستوي في ذلك أغنياؤهم وفقراؤهم، أقوياؤهم وضعفاؤهم، أذكياؤهم وبسطاؤهم، كبيرهم وصغيرهم، فلا يمكن لأحد أن يتميز عن الآخر. ولا ترمز ملابس الإحرام فقط إلى تساوي البشر أمام الله، وإنما ترمز أيضًا إلى يوم القيامة.

----------------------------------------------------


لبيك اللهم لبيك (01:21)

تأليف: ليوبولد فايس (محمد أسد)

ها نحن نمضي عجلين، مستسلمين لغبطة لا حد لها، والريح تعصف في أذني صيحة الفرح. لن تعود بعد غريبًا، لن تعود. إخواني عن اليمين، وإخواني عن الشمال، ليس بينهم من أعرفه، وليس فيهم من غريب! فنحن في التيار المصطخب جسد واحد، يسير إلى غاية واحدة، وفي قلوبنا جذوة من الإيمان الذي اتقد في قلوب أصحاب رسول الله… «لبيك اللهم لبيك» لم أعد أسمع شيئًا سوى صوت «لبيك» في عقلي، ودوي الدم وهديره في أذني، وتقدمت أطوف، أصبحت جزءًا من سيل دائري! لقد أصبحت جزءًا من حركة في مدار! وتلاشت الدقائق، وهدأ الزمن نفسه، كان هذا المكان محور العالم.

----------------------------------------------------


وصف مكّة (03:30)

تأليف: جوزيف بيتس

لم أجد في مكّة شيئًا مثيرًا أو مبهجًا. ولا حتّى سكّانها فهم فقراء ميالون إلى النحافة والهزال، وهناك «المتصوفون (الدراويش) الذين يعيشون حياة الزهد والتنسّك ويسافرون من أدنى البلاد إلى أقصاها، وهم يعيشون على صدقات الآخرين، يلبس الواحد منهم قفطانًا أبيض وقبعة طويلة بيضاء وعلى ظهر الواحد منهم جلد ضأن أو ماعز يرقد عليه، وفي يده عصا طويلة يحملها.
كما أن سلطان مكة يقوم شخصيًا بغسل الكعبة بماء زمزم، ثم بالماء المطيّب المعطّر. وحينما يقومون بهذه العملية ترفع السلالم التي تؤدّي إلى بيت اللّه‏، ولذلك يحتشد الناس تحت الباب ليدفع ماء الغسيل عليهم حتى يتبللوا به من الرأس إلى القدم. ثم تقطع المكانس التي يكنس بها البيت قطعا صغيرة، وترمى عليهم فيتلاقفونها، ومن يفز بقطعة منها يحتفظ بها كأثر.
إنّ الماء في مكة وفير، لكنها خالية من العشب والزرع إلا في بعض الأماكن. وهناك أنواع من الفاكهة متوافرة للناس مثل العنب والبطيخ والخيار والقرع وما أشبه. وهذه يُؤتى بها في العادة من مكان يقع على مسيرة يومين أو ثلاثة.

----------------------------------------------------


سكّان مكّة (02:08)

تأليف: جون لويس بيركهارت (الشيخ ابراهيم العبّاس)

يمكنك أن تعتبر مكّة بلدة جميلة، لأن شوارعها أعرض من شوارع المدن الشرقية الأخرى بوجه عام. وبيوتها عالية مبنية بالحجر. فيها عدد من الشبابيك التي تطلُّ على الشوارع فتسبغ عليها منظرًا مليئًا بالحيوية، بخلاف الدور في مصر وسوريا التي لا تطلّ على الطرق في الغالب، وهي مثل جدة، تحتوي على عدد من الدور ذوات ثلاثة طوابق. وهي مفتوحة من جميع الجهات، لكن الجبال المحيطة بها تشكلّ مانعًا حصينًا ضد العدو. وقد كان لها في الزمن القديم ثلاثة أسوار تحمي جوانبها.
يبلغ عدد سكان مكة في غير مواسم الحج خمسة وعشرين إلى ثلاثين ألف نسمة، ولكن بوسعها أن تسكن ثلاثة أضعاف هذا العدد من الحجاج أيضًا. واغلب السكان غرباء وأجانب عنها من أهالي اليمن و حضرموت. وكان يليهم في العدد أبناء الهنود والمصريين والسوريين والمغاربة والأتراك. وكان هناك أيضًا مكّيون من أصل إيراني وتاتاري وبخاري وكردي. ومن كل بلد مسلم آخر تقريبًا.

----------------------------------------------------


رجل اعمى اسمه ابو العلاء (03:33)

تأليف: ناصر خسرو

خرجنا من حلب وعلى مسافة ثلاثة فراسخ منها قرية تسمى جند قنسرين وفي اليوم التالي سرنا ستة فراسخ وبلغنا مدينة سرمين التي لا سور لها وبعد مسيرة ستة فراسخ أخرى بلغنا معرة النعمإن وهي مدينة عامرة ولها سور مبني وقد رأيت على بابها عمودا من الحجر عليه كتابة غير عربية فسألت ما هذا فقيل إنه طلسم العقرب حتى لا يكون في هذه المدينة عقرب   أبداً ولا يأتي إليها وإذا أحضر من الخارج وأطلق بها فإنه يهرب ولا يدخلها وقد قست هذا العمود فكإن ارتفاعه عشر أذرع ورأيت أسواق معرة النعمإن وافرة العمرإن وقد بني مسجد الجمعة على مرتفع وسط المدينة بحيث يصعدون إليه من أي جانب يريدون وذلك على ثلاث عشرة درجة وزراعة السكإن كلها قمح وهو كثير وفيها شجر وفير من التين والزيتون والفستق والعنب ومياه المدينة من المطر والآبار. 
وكإن بهذه المدينة رجل أعمى اسمه أبو العلاء المعري وهو حاكمها كان واسع الثراء عنده كثير من العبيد كان أهل البلد خدم له .
أما هو فقد تزهد فلبس الكلتم واعتكف في البيت كان قوته نصف من من خبز الشعير لا يأكل غيره وقد سمعت إن باب سرايه مفتوح دائما وإن نوابه وملازميه يدبرون أمر المدينة ولا يرجعون إليه إلا في الأمور الهامة وهو لا يمنع نعمته أحدا يصوم الدهر ويقوم الليل ولا يشغل نفسه مطلقاً بأمر دنيوي وقد سما المعري في الشعر والأدب إلى حد إن أفاضل الشام والمغرب والعراق يقرون بأنه لم يكن من يدانيه في هذا العصر ولا يكون وقد وضع كتاباً سماه الفضول والغايات ذكر به كلمات مرموزة وأمثالا في لفظ فصيح عجيب بحيث لا يقف الناس إلا على قليل منه ولا يفهمه إلا من يقرأه عليه وقد اتهموه بأنك وضعت هذا الكتاب معارضة للقرإن يجلس حوله دائما أكثر من مائتي رجل يحضرون من الأطراف يقرءون عليه الأدب والشعر وسمعت إن له أكثر من مائة ألف بيت شعر سأله رجل لم تعط الناس ما أفاء الله تبارك و تعالى عليك من وافر النعم ولا تقوت نفسك فأجاب إني لا أملك أكثر مما يقيم أودي كان هذا الرجل حيا وأنا هناك .
----------------------------------------------------


وادي جهنم (01:17)

تأليف: ناصر خسرو

وبين الجامع وسهل الساهرة واد عظيم الانخفاض كأنه خندق وبه أبنية كثيرة على نسق أبنية الأقدمين ورأيت قبة من الحجر المنحوت مقامة على بيت لم أر عجب منها حتى إن الناظر إليها ليسأل نفسه كيف رفعت في مكانها ويقول العامة إنها بيت فرعون واسم هذا الوادي وادي جهنم وقد سألت عمن أطلق هذا اللقب عليه فقيل إن عمر رضي الله عنه أنزل جيشه أيام خلافته في سهل الساهرة هذا فلما رأى الوادي قال هذا وادي جهنم ويقول العوام إن من يذهب إلى نهايته يسمع صياح أهل جهنم فإن الصدى يرتفع من هناك وقد ذهبت فلم أسمع شيئاً.
----------------------------------------------------


مكة المكرمة ذات الصيت الذائع (01:47)

تأليف: فارتيما الحاج يونس المصري

ولأن قصدي أن أحصل على أكثر من هذا ، فقد شرعت في استدراجه قائلا: ما إذا كانت هذه هي  مكة المكرمة ذات الصيت الذائع عبر العالم كله فأين الجواهر؟ وأين البهارات ؟ واين مختلف أنواع البضائع التي قيل عنها تتخذ سبيلها غلى هذا المكان ؟ لقد القيت عليه السؤال فقط ، عساه يخبرني لِم لَم تعد هذه البضائع والأشياء تصل إلى هنا ، كما جرت العادة قبل ذلك، ولم أشأ أن أسأله ما إذا  كان ملك البرتغال هو السبب فقد كان المليك البرتغالي هو سيد المحيط الأطلنطي ، وسيد الخلجان الفارسية والعربية ، وعندئذ  بدأ يخبرني بالتدريج عن سبب عدم وصول البضائع التي سبق أن أشرت إليها مثلما كانت تصل قبل ذلك ، وعندما أخبرني ان الملك البرتغالي هو السبب تظاهرت بالحزن العميق وارسلت فيضا من السباب على هذا الملك البرتغالي ؛ مخافة أن يكتشف سعادتي لنجاح المسيحيين في إتمام هذه الرحلة حول رأس الرجاء الصالح ، وعندما وجد أنني أظهرت عداء للمسيحيين ابدى نحوي مزيدا من الاحترام والاعتزاز وراح يخبرني بكل شيء نقطة نقطة وبالتفصيل.
----------------------------------------------------


طريقة للهروب من القافلة (02:15)

تأليف: فارتيما الحاج يونس المصري

وعندما حصلت ما فيه الكفاية من المعلومات قلت له صديقي : إنني أتوسل إليك ، وأتمناك من النبي أن تدلني على طريقة للهروب من القافلة لأن غرضي هو الوصول الى أولئك الذين يعادون المسلمين ، فأنني أؤكد لك أنهم إذا عرفوا قدراتي لأرسلوا بحثا عني حتى في مكة ، فسألني : بحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ماذا يمكنك أن تصنع ؟ فأجبته بأنني أمهر صانع للمدافع الضخمة في العالم ، وعند سماعه لذلك قال إن محمدا صلى الله عليه وسلم يستحق الشكر؛ لأنه أرسل لنا مثل هذا الرجل لخدمة المسلمين وإرضاء الله سبحانه، ولذلك فقد أخفاني في منزله وتركني مع زوجته ، وتوسل إلي في أن أحث رئيس قافلتنا على أن يخرج من مكة خمسة عشر بعيرا محملة بالبهارات ، وذلك حتى لا يدفع ثلاثين أشرفيا للسلطان كضريبة ، فأجبته بأنه إذا ما أخفاني في هذا المنزل فإنني سأمكنه من تحميل مائة بعير إذا كان لديه مثل هذا العدد ؛ لأن للمماليك هذا الامتياز ، وعندما سمع مني ذلك كان في غاية السعادة. 
----------------------------------------------------


ستارة كالطيلسان (02:34)

تأليف: السير ريتشارد فرنسيس بيرتون (الحاج عبد الله)

وأخيراً تحقق هدف آمالي ومخططاتي التي استغرقت أعواماً كثيرة، وهدف رحلتي الطويلة الشاقة لأداء الحج، ولا شك أن الوسط السرابي والوجد الديني يعطيان لهذا المبنى وما عليه من ستارة كالطيلسان جاذبية خاصة، فالكعبة المشرفة لا تمثل أثراً عملاقاً أشيب كما في مصر، ولا أثراً يتسم بالتناسق والجاذبية الفنية كما في اليونان وإيطاليا، ولا هي أثر يتسم بالروعة البربرية كما في مباني الهند، لقد كان منظر الكعبة المشرفة غريباً متفرداً، قليلون هم الذين وضعوا المبنى في اعتبارهم عند النظر إليها، ويمكنني أن أقول بصدق: إنه من بين كل المؤمنين العابدين المتعلقين بأستار الكعبة باكين، والضاغطين بقلوبهم على الحجر الأسود، لا أحد أعمق مشاعر من الحاج القادم من الشمال البعيد، لقد بدا الأمر كما لو أن الحكايات الشعرية العربية تنطق بالصدق، وأن أجنحة الملائكة - لا نسائم الصباح - هي التي تحرك أستار الكعبة السوداء، إن المشاعر الدينية الفياضة والمتحمسة تؤدي لهذا التصور، أما بالنسبة لي فقد أحسست بانجذاب صوفي وإحساس بالرضى.
----------------------------------------------------


الحجر الأسود (02:38)

تأليف: السير ريتشارد فرنسيس بيرتون (الحاج عبد الله)

وفي نهاية المطاف يستحسن تقبيل الحجر الأسود، وقد وقفت لفترة أنظر بيأس لجموع البدو وغيرهم الذين يحاصرون الحجر ويتزاحمون عنده، لكن الولد محمداً كان مفيداً في هذه الظروف، ففي أثناء طوافنا أظهر حماسة منقطعة النظير في سب الفرس وأهل البدع بأن يقحم في دعواته حول الكعبة كلمات قاسية تجعلهم مضطربين، وكان يقول مثلاً عندما رأى خرسانياً طويل اللحية، مومئاً إليه: "أعوذ بك من الرفضي ابن الرفضي"، أحياناً يقول : "يا خنزير يا أخو الخنزيرة"، وهكذا استمر حتى عجبت أن أحداً لم يجسر على تعنيفه، وبعد أن حاولنا عبثاً إزاحة الحجاج الذين لم نكن نرى منهم إلا عظام أكتافهم، قام الولد محمد بجمع اثني عشر مكياً أقوياء البنية استطعنا بمساعدتهم شق طريقنا بين زحام ذوي السيقان الدقيقة فالتف البدو حولنا كالقطط البرية لكن دون خناجر، لقد كنا في فصل الخريف فلم يكن هؤلاء البدو قد غذوا أنفسهم بالحليب لستة أشهر لذا فقد كانوا كالموميات حتى أنني كنت أستطيع إزاحة ستة منهم بيد واحدة، وبعد ذلك وصلت للحجر الأسود، وقد احتكرنا التعامل معه لعشر دقائق على الأقل رغم صيحات الساخطين، وقد تفحصته عن قرب بينما كنت أقبله وأحك جبهتي به وأمسحه بيدي، وفي كل هذه الأثناء حتى ابتعادي عنه كنت أتابعه كحجر نيزكي، ومن المثير للدهشة أن كل الرحالة أجمعوا على نقطة واحدة وهي أنه حجر بركاني.
----------------------------------------------------


كسوة الكعبة (01:44)

تأليف: السير ريتشارد فرنسيس بيرتون (الحاج عبد الله)

سرت إلى الكعبة بغية قطع قطعة من كسوتها لكن عيوناً كثيرة كانت تحدق، وفي هذا الموسم من العام تكون الكسوة بالية لكثرة لمس أصابع الحجاج لها وبسبب هبوب الرياح، ويعتبر اختلاس قطعة من هذه الأستار المبجلة مجرد زلة أو إثم طفيف، ولكن لأن المسؤولين في المسجد يجمعون النقود من بيعها فإنهم - بالتأكيد - سيعاقبون من يكتشفونه بالعصا، وقد أعطاني الولد محمد قطعة من الكسوة قبل مغادرتي مكة، ولا تزال الصدرية المعدة من كسوة الكعبة تعد لباسا ملائماً للمقاتل تحصنه وتمنع إصابته بجروح، وتعد هدية مناسبة للأمراء، ويحاول المسلمون بشكل عام الحصول على قصاصة من هذه الكسوة لاستخدامها كشريط يضعونه في المصحف لتبيان المواضع التي وصلوا عندها في القراءة، ولأغراض أخرى شبيهة ، وعلى أية حال فقد لاحت الفرصة فحصلت على ما أريد.
----------------------------------------------------


الحمايل (03:35)

تأليف: السير ريتشارد فرنسيس بيرتون (الحاج عبد الله)

ويحمل الحجاج، خاصة الأتراك منهم ما يسمى الحمايل لتقوم بأداء مهمة مقدسة، والحمايل عبارة عن كيس لحفظ المصحف، وهذا الكيس مصنوع من مخمل قرمزي مطرَّز بالذهب تطريزاً جميلاً وقد تكون الحمايل صندوقاً مغربياً (مراكشياً) أحمر معلقاً بخيوط حريرية حمراء فوق الكتف اليسرى. وإن كان يجب أن يتدلى من الجانب الأيمن، كما يجب ألا يتدلى تحت حزام الخصر. وقد استعضت عن هذا الاستخدام للحمايل، باستخدام آخر ذي فائدة جمَّة. فالحمايل من الداخل مقسَّمة إلى ثلاثة أقسام، جعلت قسماً منها لساعتي وبوصلتي، والقسم الثاني للنقود التي أحتاج إليها سريعاً، والقسم الثالث لسكينتي وأقلامي وقصاصات من ورق كان بإمكاني أن أحتفظ بها مطوية في يدي إلا أن الاحتفاظ بأوراق الكتابة والرسم التي تشكل نسخة واضحة من اليوميات من الأمور التي لا تليق بالرحالة الحذِر، وعلى أية حال ينبغي على المسافر أن يحذر رسم المخططات وغيرها أمام البدو، فمن المؤكد أنهم سيتخذون إزاءه إجراءً متطرفاً، لأنهم سيشكون في كونه جاسوساً أو ساحراً. فلا شيء أكثر إثارة وإرباكاً للبدو من العادة الأوربية المتمثلة في تسجيل كل شيء على الورق، إذ سرعان ما يشتغل خيالهم مما يجعل المرء يتوقع أسوأ الشرور منهم. والطريقة الآمنة الوحيدة للكتابة في حضور البدو هي كتابة خريطة البروج لكشف الطالع أو كتابة الأحجية، كما أن البدوي لا يعترض على الكتابة إذا استطعت إثارة حماسته فيما يتعلق بالإنسان كأن تبدأ معه قائلاً: " أنتم يا رجال حرب، لأي عرق يرجع فخركم؟"، وبينما يكون المستمعون منشغلين بفيض حديثه عن قبيلته، يمكنك أن تكتب ما تشاء من ملاحظات في هامش أوراقك. أما أهل المدن فأكثر تحرراً، فمنذ سنوات خلت قام الرسامون الشرقيون برسم الأضرحة المقدسة، ومسحها، بل وحتى طباعة رسومها على الحجر. وإلى الآن، فإنك إن أردت ألا تكون موضع ريبة، فتجنب أن تُرى وفي يدك قلم حبر أو قلم رصاص، إلا لماماً.
----------------------------------------------------


طريق المسعى ووجوب إصلاحه (02:28)

تأليف: محي الدين رضا

ولقد أقمت في مكة المكرمة زيادة على أسبوع قبل الذهاب إلى عرفة وبعد عرفة، فرأيت أن أبدي بعض الملحوظات التي أراها مفيدة. أول ما يلاحظه الحاج كثرة البعوض في مكة المكرمة ولا سيما في الليل فأن الإنسان لا يستطيع الجلوس من غير كلّة "ناموسية" تقيه شر البعوض، ويظهر أن ذلك لا ينطبق على أحيائها كلها. وإذا تجول الإنسان حول الحرم راعه كثرة التراب وعدم إصلاح الطريق حتى أمام دار الحكومة وأمام جريدة "أم القرى" ولو تفضلت الحكومة فخصصت قسماً من الضرائب التي تأخذها من الحجاج لإصلاح مكة المكرمة والقضاء على البعوض الكثير لأسدت خيراً تحمد عليه.
ولقد حتّم الدين الإسلامي الحنيف على الحاج أن يسعى بين الصفا والمروة وهما جبلان بجوار الحرم، ويدهش المرء إذ يعلم أن طريق المسعى صار أشبه بسوق يعج بالباعة والسيارات التي تضايق الساعين مضايقة شديدة لا تجعلهم يتمثلون أنفسهم أنهم في أداء عبادة وتنسك فأن الحاج يسمع جلبة الباعة وأصوات محركات السيارات وأبواقها فينفر منها خشية على نفسه ويضطر لقطع سلسلة الدعاء الذي يدعوه عدة مرات في أثناء السعي.
----------------------------------------------------


توديع كوثر (03:00)

تأليف: محي الدين رضا

كوثر باخرة فخمة وفيها أسباب الرفاهية من مدافيء ومراوح كهربائية وغرفها فخمة وأسرّتها مريحة وفراشها حسن، وأدوات المائدة على الطراز الحديث ولا يتسع لي المجال للإفاضة في وصفها في هذه العجالة ولقد وفاها حقها أخي وزميلي الأستاذ أمين سعيد يوم ركبها من الإسكندرية إلى بور. أخذت الباخرة تصفر والأجراس تدق علامة على عزم الباخرة على السفر وإنذارا للزوار بالنزول منها وذلك من الساعة الثانية تقريباً وقبيل الساعة الرابعة نزل الجميع ونزل سعادة محمد طلعت حرب باشا وجيء لهم بكراسي فجلسوا عليها في حمارة القيظ فقوبل سعادته بالهتاف.
ومما يصح التنويه به هنا أن بعضهم فتح الشمسية فوق رأسه فوق رأس طلعت باشا ليظلله من حرارة الشمس فلم يقبل أن يستأثر بذلك وأبى بلطف وظل مثل سائر المودعين في الشمس الشديدة مغتبطاً مسروراً. 
ولما رفعت الباخرة كوثر سلمها وتحركت تعالى الهتاف لها وعزفت الموسيقى سلام الملك فسمعه الجميع وقوفاً وعزفت بعد ذلك ألحاناً جميلة مودعة الباخرة وكان تلويح المودعين والمسافرين بمناديلهم البيض جميلاً وقد أختلط صوت الموسيقى بزغردة النساء وهتاف المسافرين والمودعين لطلعت باشا فكان يقابل ذلك برفع يده شاكراً ولحقت الرفاصات واللنشات الباخرة مسافة وظل المودعين يلوحون بمناديلهم يبادلهم المسافرون مثل تحيتهم وانهمرت العبرات من الفرقين ابتهاجاً وغبطة وسارت السفينة باسم الله مجراها ومرساها والحجاج يقرأون آيات القران الكريم. وبالجملة كان الوداع لطيفاً محركاً للعواطف باعثاً للغبطة والسرور وفقنا الله لما يحبه ويرضاه. 
----------------------------------------------------


الذهب في جبل الغار (03:00)

تأليف: محي الدين رضا

ولقد حملت من الجبل قطعاً من الحجارة بعضها أبيض مثل الرخام وبعضها سمّاقي وغير ذلك من الألوان ولقد دهشت عندما وصلت إلى بيتي إذ وجدت ما يشبه نقط الذهب في بعض تلك الحجارة وبعض القطع الذهبية صغيرة وبعضها أكبر وهي مشعة إشعاعاً ظاهراً وقد شاهدها بعض الزوار فأعجبوا بها كثيراً وهذه القطع تدلنا على وجود ذهب في ذلك الجبل فهل تصل إليه غداً أيدي رجال شركة التعدين التي نالت امتيازا طوّق الحجاز تطويقاً هلعت له القلوب ليس في الحجاز وحدها وإنما في البلدان الإسلامية كلها وظهر أثر ذلك جلياً فكثرت أسئلة الحجاج على جلالة الملك ورجال دولته في هذا الباب فكانوا يطمئنون السائلين ولكن القلق لم يزل، بل حدثني بعض كبار الحجاج بأنهم يخافون أن تطوق تلك الشركة الحجاز  بشراكها فتبث في الحجاز المبشرين إذ يلقون تربة خصبة بين البدو المنتشرين في الطريق بين جدة والمدينة المنورة فهم في جهل فاضح ولقد سئلت بعضهم عن أسم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرفوا أسمه ويزيد خوفنا ما هم فيه من فقر مدقع سار بحديثه الركبان وأنتشر على طول الطريق يلتمسون العطاء بإلحاح شديد مؤلم.
----------------------------------------------------


مستشفى الباخرة (كوثر) وأطباؤها (04:14)

تأليف: محيي الدين رضا

ولقد كانت رحلتنا جميلة وصحية فكان البحر هادئاً ولم نشعر بحركة للباخرة إلا بقرب رابغ ولكنها حركة خفيفة تذكرك بأنك في البحر. وإذا سرحت طرفك شمالاً أو شرقاً أو غرباً أو جنوباً يرتد إليك بصورة بهيجة فهذه أشعة الشمس تنكسر على تاج الماء فترسل نوراً مبهجا ينساب على ديباجة البحر وتشاهد أيضا تلك الديباجة الزرقاء المريحة للبحر والمشعرة بعظمة البحر وتشاهد جبالا متسلسلة قبل مغادرة خليج السويس وتنفذ إلى رئتيك كميات طبية من الهواء النقي المشبع بالأوكسجين، وقد أشرت إليه في كلمة لي عن فوائد الحج الصحية. فالحجاج جميعا في بشر وصحة جيدة وقد غادرت القاهرة والسعال يكاد يقطع حلقي وأنا البس ثيابا صوفية ثقيلة وأما الآن وأنا بجوار رابغ وقد خلعت ثياب الصوف الداخلية والجرسي الصوف والبالطو والبذلة الصوفية أيضا ولا البس سوى البيجاما . وأما معظم الحجاج فقد خلعوا المخيط والتفوا بالبشاكير وأنا أتصبب عرقا وانتظر الوصول إلى رابغ لأخلع المخيط وألتف بثوب الإحرام وقد زال مني السعال والحمد لله. 
وعلى ذكر الصحة أقول أن في الباخرة كوثر مستشفى يستحق الثناء والإعجاب فقد حدث بعد ما تحركت الباخرة وكنت متعباً من عدم النوم في الليلتين اللتين سبقتا يوم السفر أن نمت في السرير فدخل على الدكتور محمد أبو الغيط وقال يا حاج هل تشعر بألم؟ فقلت إنما أشعر بتعب من عدم النوم من أثر الحقنة الأخيرة، وكانت يده على نبضي وبالطبع لم يجد أثرا لحرارة فسألته هل آخذ أسبرين؟ وكانت بجواره ممرضة فكلفها أن تناولني حبة أسبرين وقدم إلى كأسا من الماء فشكرت له هذا التفضل، وأنا متأكد أنه يعامل الجميع بمثل ما عاملني. وهذه أول مرة اركب فيها مركبا مصريا فيه أطباء مصريون وممرضات مصريات وأشهد الله والحق أنهم جميعا يعملون بإخلاص أعمالا تستحق الشكر.
----------------------------------------------------


بساط الريح من نيويورك (02:09)

تأليف: عبد الغفور شيخ

كان عددنا –نحن الحجاج- يقارب الخمسمائة ألف ، وكان ثلث هذا العدد من النساء. كان البعض قد أتى مشيا على الأقدام، واستغرقت رحلته عاماً أو أكثر على الطرق والدروب الترابية القادمة من أواسط آسيا إلى الهند، بينما آخرون على متن سفن الشحن والبواخر العابرة داخل عنابرها الخانقة.. في رحلتهم البطيئة قادمين من أمريكا الجنوبية أو الجزر الخضراء بإندونيسيا. 

وسرى آخرون ليلاً تحت نجوم الصحراء، يتهادون على إبلهم، متجهين شرقا من مكناس وفاس، ومن صحراء ليبيا الرملية، بينما كان كثيرون غيرهم لا يزالون جاثمين على أرصفة استنبول ودوبرفنيك  والجزائر وغزة وبنزرت وبيريه  ينتظرون بفارغ الصبر أن يتاح لهم مكان على متن سفينة مكشوفة مزدحمة بالمسافرين. 
أما أنا فقد قدمت من أمريكا على متن بساط الريح. ولم يفتني وأنا في مطار نيويورك الدولي أن أدعو بدعاء السفر المعروف: (واطو عني بُعده). 
وطويتْ لي الأرض، فقد طُويت المحيطات والبلدان والقارات تحت جناحي طائرة (بان أمريكان)، حتى وقفتُ أخيراً، وفي السادس والعشرين من آب (أغسطس) الموافق لليوم السادس من شهر ذي الحجة، أمام المسجد الحرام بمكة المكرمة. ودخلت من باب السلام ومنه إلى باب بني شيبة في الداخل. 

----------------------------------------------------


المطوّف (03:00)

تأليف: محمد لطفي جمعة

ومن حوادث الإحرام أن مطوفا اندس بين المسافرين ليضمن عملاء له قبل زملائه في جدة وقد طبع لنفسه تذكرة باسمه وصنعته وعنوانه وصورته، ثم
أخذ يغشى المجالس ويلقن الناس بالإكراه صيغة التلبية كما لو كان امتحانا أو استجوابا ويحتم أن ينطقوا وراءه. وكان حاج دبت بينه وبين المطوف عاطفة استثقال لظله فانصرف عنه ولم يرض أن يجلس منه مجلس التلميذ من الأستاذ، فخرج المطوف عن دائرة حلمه ونظر إليه مغتاظا غيظا لم يقو على كظمه وأضاف إلى التلبية دعوة جديدة  ( اللهم اجعلنا مسلمين مؤمنين) ولم ينقصه إلا أن يقول ( مطيعين للمطوفين وخاضعين) فدعا لصاحبنا الحاج الذى كره المطوف بالدخول في زمرة المسلمين لأنه لم يؤمن به كما لو كان نوحا أو صالحا. ولا ينفر الحاج من المطوف أكثر من غريزة التطفل التى تتحكم في خلق المطوف، فيحسب كل حاج معدنا غير مصقول، أو مادة لم تتشكل ولن تفرغ إلا في القالب الذى يريده. وأعظم شيء في نظر المصرى أن لا يخضع للدليل الذى يعتبر عقله ورقة بيضاء أو لوحا لم يمسسه قلم بكتابة سابقة، وهذا الذى شهدته في هذا المطوف الذى
اقتحمنا وحاول غزونا قبل بلوغ الغاية وظن بعض الحجيج متاعا توضع عليه اليد ويملك بالسبق وصيدا يظفر به ويحل له قبل دخول البيت الحرام، فكان خطؤه في سعيه إلى مصلحته أشد عليه من مصاولته ومجاولته، فنكبه مسلكه الصواب في بغيته، لأنه لم يعلم أن لكل وجهة من الجدوى مأتى تستنزل به عوائدها ويقرب معه ما استصعب منها ولو تعود حسن الرؤية لهداه لله إلى صالح التوفيق.
----------------------------------------------------


مكتبة الباخرة زمزم ومسجدها (02:35)

تأليف: محيي الدين رضا

شاهدت مكتبة الباخرة زمزم فإذا بها تحتوي على مجموعة مجلة المنار الإسلامية المشهورة، وكتب الأستاذ العقاد والدكتور طه حسين، وفيها كتب عصرية فحبذا لو أضيف إليها بعض كتب الدين مثل كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" وكتاب "مئة حديث وحديث" الذي جمعه الأستاذ محمود خاطر بك وهو الذي تولى ترتيب المكتبة، ولما أبديت للموظف المختص تلك الأمنية قال لي إن كتاب الفقه موجود في الباخرة النيل وكان الأحرى به أن يكون في زمزم وكوثر.
وزرت مسجد الباخرة زمزم فوجدته كبيراً ومفروشاً بالحصر الجديدة وهو في قعر الباخرة وطلب مني بعض الحجاج أن ألفت نظر المشرفين على الباخرة إلى وضع بوصلة "بيت إبرة" في المسجد لإرشاد المصلين إلى الجهات والقبلة فحبذا لو وضعت فيه بوصلة.
والباخرة زمزم كبيرة مريحة وخدمها مصريون وهم طيبو الخلق وهي معدة إعداداً يجعل توفير الماء فيها أسهل منه في كوثر فهي قليلة الحنفيات وحنفياتها لا تنزل الماء إلا إذا ضغطت عليها بيدك فإذا تركتها حبست الماء، وبذلك يصعب الإسراف في الماء في زمزم بخلاف كوثر فقد صفت الحنفيات على جوانبها فصار من السهل على الحاج الأخذ منها بكثرة، وشعر المشرفون عليها بالأمر فحبسوا الماء من الحنفيات في ذهابنا إلى الحجاز خشية من نفاده لأن الأمر يحتم عليها المحافظة على ماء يكفيها ذهاباً وإياباً.
 وكانت عودتنا من جدة إلى الطور لذيذة رغم شدة البحر نوعاً وهبوب النسيم العليل فزاد الرحلة لذة.
----------------------------------------------------


في جوار الكعبة (02:31)

تأليف: عبد الغفور شيخ

كان ضوء الفجر في سماء مكة باهتاً، وكان الهواء تحت الرواق بارداً ومشبعا بالرطوبة. مر بي اثنان من الحجاج، مسرعين للحاق بالصلاة، بأقدامهما السمراء الحافية، فمساني مساً رفيقا، فألقيت عليهما السلام وحثثت خطاي متقدما حتى خرجت إلى صحن الحرم. هناك.. وراء الساحة الواسعة المرصوفة بالحجارة، انتصب البيت الذي يتجه إليه المسلمون جميعا بقلوبهم: الكعبة.. ذات الكسوة السوداء، المربعة تربيعا تاما، الضخمة الأبعاد. وانطلق لساني بالتلبية دون تكلف: (لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك). هبت نسمات من الجبال الجرداء على الكعبة، فحركت حواشي أستارها، وجعلتها تنتفخ وتتموج على شكل ثنايا وطيات رقيقة. وشعرت بإحساس عميق بالخشوع، كان بعضه خشوعا طبيعيا مألوفا لكل مسلم يقف أمام الله سبحانه وتعالى، أما البعض الآخر فكان مختلف المصدر وناشئا عن إدراكي لمهمتي في هذا المكان. فقد وضعت نصب عيني مهمة قلما سبقها مثيل في تاريخ الإسلام الطويل: تلك المهمة هي التقاط سجل كامل من الصور الملونة لمشاعر الإسلام المقدسة. 

----------------------------------------------------


تلاوة صاحبي (03:28)

تأليف: عبد الغفور شيخ

وفد في ذلك الوقت على المطاف الآلاف المؤلفة من الحجاج الذين بادروا –وقد أزجاهم الشوق،وشغلهم الوجد عمن حولهم- فطافوا بالبيت بسكينة وتودة، بعضهم يتلو، وبعضهم يبكي، وانعقدت ألسنتهم وهم يتأملون في سرّة الدنيا ومركز العالم The Navel of the World. وسرعان ما أصبحت حركتي مقيدة، فقد أحاطت بي هذه الحشود… المنكب على المنكب، والخد على الخد، فاندفعت إلى الأمام مثل رقاقة من الخشب تتقاذفها أمواج المد والجزر. 
وكنت محظوظا في شيء واحد: فقد كان يسعى أمامي رجل مغربي، ضامر الجسم، يتلو آيات من القرآن الكريم بصوت يجمع بين الخشوع والترتيل الجذاب، فاللغة العربية بشكل عام –ولغة القرآن بشكل أخص- تتمتع بموسيقى الشعر  بسلاستها وروعتها، وإذا تيسر لها قارئ موهوب فغناها تتحول على لسانه إلى سحر نادر. ولهذا فأنني كنت أشنف أذني بتعطش لتلاوة صاحبي، بينما يتدافعني الحشد العظيم إلى الأمام في طوافي المعاكس لعقارب الساعة. 
لقد خففت عني هذه المتعة نوعا ما الألم الذي أصابني في قدمي فوجودنا في المسجد يقتضي ألا نلبس الأحذية. وقد سرني أن علي الحجاج كافة تقليم أظافرهم قبل الإحرام بالحج، ذلك أن البدو الذين يطوفون ورائي كانوا يدوسون على عقبي الحافيتين بأقدامهم الخشنة مع كل خطوة يخطونها، فما إن انتهيت من الشوط السادس وقبلت الحجر الأسود في ركن الكعبة الشرقي حتى أحسست في قدمي بالألم لما أصابهما من الرضوض والكدمات. 
وأخيرا مشيت وأنا أعرج من المطاف إلى باب الصفا حيث بدأت السعي بين جبلي الصفا والمروة. ففي هذا المكان –كما ورد- ترك إبراهيم هاجر في الصحراء مع أبنهما إسماعيل. وبينما كانت تهرول قلقة خائفة من مكان إلى آخر بحثا عن الماء، ردّها الملك جبريل أخيرا إلى نبع كان ينبجس ماؤه بين قدمي الطفل معجزة من الله تعالى. ذلك النبع هو نفسه الذي يغذي بئر زمزم داخل الحرم حسبما يعتقد المسلمون. إن الحجاج يحيون بسعيهم في كل عام ذكرى المحنة التي مرت بها هذه الأم واكتشافها العجيب. 

----------------------------------------------------


حيث التقى آدم وحوّاء (03:00)

تأليف: عبد الغفور شيخ

كان دوي الحديث يحوم ويحوم حول رأسي، وكانت القصص الغابرة عن الإسلام تتراقص من خلال خيوط أشعة الشمس التي تسبح فيها ذرات الغبار والتي تسللت من خلال الستائر المُشبَّكة، وتنسج كذلك ذكريات ضبابية عن روائع الماضي السحيق. وبعد لحظة استأذنت بحجة التخطيط لرحلتنا الوشيكة إلى (عرفات). وفيه وقف الحجاج بين يدي ربهم في التاسع من شهر ذي الحجة  الموافق للتاسع والعشرين من شهر آب (أغسطس). 
ولم يكن بإمكاننا التأخر عن حضور هذه الشعيرة فهي ركن الحج الأعظم، والحقيقة أن من لم يقف في عرفة حاسر الرأس قبل وبعد غروب ذلك اليوم بالذات بقليل فقد فاته الحج كله. 
ولِمَ (عرفة)؟ ففي عرفة ومن سفح جبل الرحمة ألقى محمد –صلى الله عليه وسلم- خطبة الوداع، وهو على ناقته، وفي هذا المكان بالذات يتذكر المسلمون يوم الحشر. 
وكما ورد في بعض الأخبار.. فقد التقى آدم وحواء في عرفات بعد إخراجهما من الجنة وتجوالهما –كل منهما على حدة- في أنحاء الأرض. 
كان والدي قد هيأ لنا مقاعد في حافلة لتقلنا إلى عرفات، لكنني لم أوافق، لأنها ستكون مزدحمة، ولن تتاح لي فرصة للوقوف حيث أريد على طريق عرفات لالتقاط الصور. لذلك ألححت عليه لاستئجار سيارة حتى ولو كلفت هذه الأميال القليلة ما يقارب (200) دولار أمريكي. 
في الأيام الثلاثة التي سبقت الوقوف في عرفات، كنا نتناقش ونتجادل ونعد الخطط، ونعدل فيها، ثم نعدها من جديد بطريقة أكسبها الزمن احتراماً لدى أسرتي. وفيما بين جولات الجدل هذه كنت أنسل خارجا إلى أنحاء مكة لعدة ساعات كل يوم وبصحبتي آلة التصوير. ثم جرى توقيفي وأنا التقط صورة قرب مقام إبراهيم، عندما أمسك أحد الحراس فجأة بكتفي وسألني: 
_ ماذا معك؟ 
وقبض على ذراعي بقوة، وقادني إلى مركز الشرطة. وهناك انثال عليّ وابل من الأسئلة التي ألقتها عليّ الشرطة الذين كانوا يتقنون عددا من اللغات، لن كل حاج كان يحضر إلى مكة بعدد من اللغات من مائة أرض. وأخيراً أطلق المستجوبون سراحي ومعي آلة التصوير والعدسات ومقياس شدة الإضاءة. 

----------------------------------------------------


كيف وصل الهاتف إلى المملكة (03:45)

تأليف: عبد الغفور شيخ

في اليوم التالي مضينا في السيارة على الطريق الشرقي الواصل إلى مِنى في طريقنا إلى عرفات. فقد توقف الرسول –صلى الله عليه وسلم- هنا وأمضى الليل ليريح ناقته، وقد فعلت جموع الحجيج التي كانت معنا، والتي كانت تضم مئات الآلاف من الحجاج، الشيء نفسه، وفقاً للسُنة النبوية، بالطبع لم تكن مِنَى تتسع لنا، فالقرية تتألف من عدد قليل من البيوت والحوانيت. وقد انتشر الحجاج في الوادي الضيق تحت سفوح جبل ثبير في سحابة من الخيام. 
كانت خيمة والدي منصوبة على منحدر كان معتادا أن ينصبها عليه في السنوات الماضية. وما إن تصاعد دخان نيراننا حتى بدأ الأصدقاء يتوافدون ومعهم هدايا من الطعام والمشروبات الباردة. كانت كالليلة الأولى التي قضيناها في أحد المصايف التي اعتادت المجموعة نفسها من المحبين أن تتردد عليها كل عام من أماكن متفرقة كانت بمثابة مناطق عملهم في الشتاء. 
كان الحديث منصبا غالبا على تأثير الغرب على الإسلام، ويرافق ذلك نظرات يلوح فيها القلق، وهزَّ للرؤوس الهرمة. ولكن كان يشوب ذكر بعض الاختراعات الباعثة لهم على القلق شيء من الفكاهة والدعابة.. فقد ذكر أحد الشيوخ مثلا كيف أدخل الملك الداهية عبد العزيز آل سعود الهاتف في المملكة العربية السعودية. 
(يجب أن تفهموا أيها المتنورون أن العلماء المحيطين بالملك متشددون في أساليبهم. فهم عندما سمعوا أن بعض الكفار كانوا يقدمون للملك جهازاً أسود غريباً يتكلم، أيقنوا انه من فعل الشيطان). 
لذلك قام الملك –أطال الله عمره-  بدعوة العلماء إلى قصره بالرياض، وعندما تجمعوا قدّم سماعة الهاتف إلى كبير العلماء وطلب منه أن يضعها على أذمه، فأطاعه الشيخ وهو يرتجف، وفي غضون لحظة افترت شفتاه عن ابتسامة تنم عن الابتهاج، فقد أتاه من الجهاز صوت يتلو السورة الأولى من القرآن الكريم: 
[بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين…). 
فالتفت الملك الذي وضع المتكلم في الطرف الآخر من الخط في مكة إلى العلماء وقال لهم: هذا هو صوت الشيطان؟
ثم تحدث رجل على يميني فقال: (ولكن هل كان العلماء على خطأ؟ بالفعل، عندما كنت أحاول أحيانا القيام بمكالمة بين مكة وجدة كنت أظن أنا أيضا أن هذا من اختراع الشيطان!). 
شارك تاجر من جدة في الضحك. وقال: 
(أنا أدرك جيدا ما تعنيه. لكن الخدمة قد تحسنت قليلا. لمدة من الزمن كان الاتصال يبدو مستحيلاً).
(كما قلت لكم، فقد تحسنت الخدمة الآن نوعا ما). 
إنني أشك في صحة القصة، ولكنها تدل على روح الدعابة. 
----------------------------------------------------


نصف مليون من البشر (03:00)

تأليف: عبد الغفور شيخ

عندما شققنا طريقنا أخيرا إلى عرفات كانت الأرض الجرداء التي يطل عليها جبل الرحمة مغطاة بالخيام البيضاء، ومزدحمة بالرجال والنساء. جلس دليلنا (المطوف) على ظهر السيارة ومعه الخيمة، وجرت بينه وبين السائق مناقشة حول أفضل بقعة ننصب عليها الخيمة، وأخيرا عثروا على فجوة صغيرة في هذا البحر من الأمواج البشرية، وهناك ألقينا مراسينا.
يقف الناس على صعيد عرفات حاسري الرؤوس، وذلك حتى ظهور الشفق ، حيث أن تغطية الرأس للرجال من محظورات الإحرام. كان سلطان الشمس طاغيا وتاما ومروعاً، وكان معظم الحجاج يتقون أشعتها بالمظلات. وقد حاول أبي جهده ليقنعني بحمل مظلة أتقي بها الشمس، ولكنني لم يكن بإمكاني أن أجمع بين طاعته في ذلك وبين التفرغ لآلة التصوير والعدسات التي كنت أحملها تحت ثياب الإحرام. وعندما فرغ الطهاة من تحضير وجبة الغداء المكونة من اللحم المطبوخ على البخار ومن الأرز، انضممت إلى موكب الحجاج المتدفق باتجاه جبل لرحمة، حيث كان هناك درج متعرج من الخراسانة يوصل إلى قمة الجبل، تحيط به الجلاميد التي تغطي الجبل. وكانت مجموعات صغيرة من النسّاك تقف على الدرجات جميعها، ولكل من هذه المجموعات قائد أو أمير، وهم مستغرقون في صلواتهم وتلاوتهم لا يشعرون بوجودنا ونحن نشق طريقنا بجوارهم. 
أطللت بنظري من قمة الجبل حيث ينتصب المعلم الحجري على السهل المزدحم بالحجيج، فلاحت لي سحابة داكنة من عاصفة رملية حجبت وراءها معالم التلال المنخفضة المحيطة بعرفات، وغمرت هذا المخيم الممتد المترامي الأطراف بوميض أصفر بلون الليمون. مضت الساعات ببطء تحت أشعة الشمس الحارقة، وليست هناك شعيرة ختامية في عرفات، ولا شعائر أو طقوس جماعية على الإطلاق. فالناس يدعون ويتضرعون فرادى وجماعات، تتألف كل منها من خمسين أو مائة أو مائة وخمسين حاجاً خلف أدلائهم المختارين أو المستأجرين. 
----------------------------------------------------


الطريق من رابغ (03:00)

تأليف: محيي الدين رضا

وبعد ما غادرنا رابغ أخذت الصعوبة تبدو لنا ظاهرة جلية وفضلنا أن نقطع الطريق الرملي في الليل خشية من أن نجتمع علينا مشقة الطريق وحمارة القيظ في النهار فأخذت السيارة تخب بنا في وسط الرمال وترجنا رجا عنيفا ومزعجا وكان السائق بين حين وآخر يطلب منا النزول لندفع السيارة وننتشلها من الحفر التي تردت فيها فنلبي طلبه مرغمين والليل مدلهم والسماء حالكة لأننا في أواخر الشهر القمري فكانت ليلة ليلاء لا يخفف خطبها إلا الشوق لزيارة مدينة الرسول عليه السلام والأنس بالوقوف في مسجده والصلاة فيه وفي الروضة المطهرة.
خارت قوانا وكان الليل قد تنصف وقد وصلنا إلى آبار الحصاينة فنمنا نومة أشد قلقا ونام صحبي على الأرض لأننا لم نجد ما ننام عليه لأن المحطة كانت قد ملئت بالحجاج وقد احتلوا الكراسي المستطيلة التي ينام عليها المسافرون في تلك الصحاري وأما أنا فقد ظللت في السيارة ولم أتمدد ولست أدري إذا كان قد تيسر لي أن أهوّم قليلا.
وفي الصباح أخذ السائق يلعب بالسيارة موهما إنه يصلحها وبعد ذلك سرنا مسافة قطعناها في نحو ساعتين ثم تعطلت السيارة نهائيا فطلبنا من سيارة أحد الهنود الملحقين بسلطانة حيدر آباد أن يسمح لي بالركوب معه لإغاثة أخواني ففعل. ولما وصلت إلى محطة المسيجيد قابلت رئيس مفتشي السيارات والمشرف على رقابة السفر ونظامه فقابلني بلطف وأمر سيارة أعدت للإسعاف بسرعة السير لنقل أخواني فلبت الأمر حالا وتابعت سفري إلى المدينة بسيارة الهندي ولكنها خربت على بعد ساعتين من المدينة بسبب مس في بطاريتها فوقفت وفي أثناء وقوفنا مر بي رفقائي بسرعة فلم اعرفهم ولم يعرفوني ودخلوا المدينة قبلي وكنا قد أرسلنا شرطيا مرافقا للهندي فجلب لنا سيارة أوصلتنا إلى المدينة وعندما دخلتها رأيت أصدقائي ذاهبين إلى دار الأمير فنزلت وانضممت إليهم ودخلنا على الأمير عبد العزيز بن إبراهيم وحللنا عنده ضيوفا مدة إقامتنا. وشاهدنا في الطريق سيارات محطمة ومعطلة مما يستدعي عناية الحكومة السعودية بإصلاح الطريق ولا سيما إذا علمنا أن السيارات جميعها للحكومة وأن تكن قد كتبت عليها أسماء شركات. 
----------------------------------------------------


الكوكب الدري و المكتبة المحمودية (02:14)

تأليف: محيي الدين رضا

ولقد كان في المقام الشريف قطعة الماس كبيرة الحجم تلمع للناظرين وتسمى الكوكب الدري حلمها الترك معهم يوم تركوا البلاد العربية كما حلموا كثيراً من النفائس من الحرم وحملوا كثيراً من الكتب الخطية ذات القيمة من المكتبة المحمودية الملتصقة بالحرم وحملوا شمعدانين تقدر قيمتها بنحو ثمانين ألف جنية على ما فهمت.
وفي المكتبة المحمودية اكثر من خمسة آلاف كتاب كثير منها مخطوط وفيها فهرس مكتوب بالعربية والتركية وقد وضع فوق اسم كل كتاب أخذه الترك وغيرهم حرف "غ" علامة انه غير موجود ولما أخذها الترك واخذوا النفائس من الحرم تذرعوا بحجة الخوف عليها من أيدي الإنكليز. 
ومن النفائس التي أخذوها مصحف بخط السلطان محمود ولا تزال في المكتبة يافطة كتبها السلطان محمود وفيها "بسم الله الرحمن الرحيم "بخطة الجميل .
فليت شعري هل بقيت تلك النفائس عند الترك ولا سيما في عهدهم الحالي أم لعبت بها أيدي العبث وهل لو أخذها الإنكليز كان الخطر اعم . الحق أقول ان الكتب كانت في أمان عظيم لو بقيت في أماكنها ولا خوف عليها من الإنكليز أو غيرهم فهل لجلالة الملك ابن السعود أن يبحث عن الكتب والنفائس التي أخذت ويطلب إعادتها إلى محلها الأصلي.
 
----------------------------------------------------


أهل مكّة ونسائها (03:00)

تأليف: ابن بطّوطة

ولأهل مكة الأفعال الجميلة والمكارم التامة والأخلاق الحسنة والإيثار إلى الضعفاء والمنقطعين وحسن الجوار للغرباء. ومن مكارمهم أنهم متى صنع أحدهم وليمة يبدأ فيها بإطعام الفقراء المنقطعين المجاورين، ويستدعيهم بتلطف ورفق وحسن خلق، ثم يطعمهم. وأكثر المساكين المنقطعين يكونون بالأفران، حيث يطبخ الناس أخبازهم. فإذا طبخ أحدهم خبزه واحتمله إلى منزله فيتبعه المساكين فيعطي لكل واحد منهم ما قسم له، ولا يردهم خائبين، ولو كانت له خبزة واحدة فإنه يعطي ثلثها أو نصفها طيب النفس بذلك من غير ضجر. 
ومن أفعالهم الحسنة أن الأيتام الصغار يقعدون بالسوق، ومع كل واحد منهم قفتان: كبرى وصغرى وهم يسمون القفة مكتلاً فيأتي الرجل من أهل مكة إلى السوق، فيشتري الحبوب واللحم والخضر، ويعطي ذلك الصبي فيجعل الحبوب في إحدى قفتيه، واللحم والخضر في الأخرى، ويوصل ذلك إلى دار الرجل ليهيأ له طعامه منها، ويذهب الرجل إلى طوافه وحاجته، فلا يذكر أن أحداً من الصبيان خان الأمانة في ذلك قط، بل يؤدي ما حمل على ما أتم الوجوه. ولهم على ذلك أجرة معلومة من فلوس. وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم أبداً ناصعة ساطعة. ويستعملون الطيب كثيراً ويكتحلون ويكثرون السواك بعيدان الأراك الأخضر. ونساء مكة فائقات الحسن بارعات الجمال ذوات صلاح وعفاف. وهن يكثرن التطيب، حتى إن إحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيباً. وهن يقصدن الطواف بالبيت في كل ليلة جمعة، فيأتين في أحسن زي وتغلب على الحرم رائحة طيبهن، وتذهب المرأة منهن فيبقى أثر الطيب بعد ذهابها عبقاً. 
----------------------------------------------------


فقأت عيني الشيطان (03:18)

تأليف: جوزيف بتس (الحاج يوسف )

ويقال انه بعد مغادرة الحجاج منى إلى مكة المكرمة يرسل الله رخات من المطر لغسل القذر والروث المتبقي من ذبح الأضاحي كما يرسل الله الملائكة لتحمل الحصى ( الجمرات) الذي رمى به المسلمون رمز الشيطان ، وتعيدها إلى أماكنها قبل موسم  الحج التالي لكنني متأكد أنني رأيت الحصوات التي رجمت في الموسم السابق ملقاة مكانها على الأرض عند الأعمدة التي يرمز المسلمون بها للشيطان. وأثناء توجهي للرجم قابلني حاج في مكة وقال : لا بد أن ترجم بسرعة من فضلك لأنني قد فقأت عيني الشيطان لتوي ". وبعد العودة لمكة المكرمة مكثنا هناك زهاء عشرة أيام أو اثني عشر يوما حيث تعقد سوق كبيرة تباع فيها كل بضائع الهند ... ويقوم كل حاج الآن بشراء كفن وهو عبارة عن قطعة كتان رقيقة ليكفن فيها وهم يغمسونها في ماء زمزم وتلك ميزة قد لا تتاح لهم في الجزائر أو غيرها  ويحرصون على حمل هذا الكفن معهم أينما ذهبوا ، بحرا أو برا فإذا ماتوا كفنوا به.  
----------------------------------------------------


المسبحة (02:32)

تأليف: جوزيف بتس (الحاج يوسف )

وتحت غرفة الأحناف ( مقام الأحناف) يتجمع الناس عادة في فترات ما بين الصلوات ويجلسون متربعين في حلقات ، وقد تبلغ الحلقة عشرين أو ثلاثين ، ومعهم زوجان من المسابح الضخام جدا كل حبة من حباتها في حجم القبضة ، ويمررون حبات المسبحة بينهم الواحدة تلو الآخر، الحبة تلو الحبة ، طوال الوقت وهم يرددون عبارات دينية ، وقد انخرطت أنا نفسي معهم في هذه اللعبة التي تسبب بهجة طاغية للأطفال، ومع هذا فقد أظهرت من مظاهر التقوى ما فيه الكفاية. 
----------------------------------------------------


الآيرلندي (03:30)

تأليف: جوزيف بتس (الحاج يوسف )

كان يوجد أيرلندي مرتد ( يقصد أنه تحول للإسلام ) أخذوه صغيرا جدا لدرجة أنه لم يفقد دينه المسيحي فقط بل ولغته الانجليزية أيضا وهذا الرجل عانى من العبودية ثلاثين عاما في إسبانيا وفي السفن الفرنسية ، لكنه بعد ذلك تحرر وعاد للجزائر وكان الناس ينظرون له كرجل صالح تقي متدين لأنه لم يترك العقيدة الإسلامية رغم تعرضه للغواية كي يتركها وكان بعض جيراني الذين قصدوا للحج في العام نفسه الذي حججت فيه مع سيدي قد عرضوا على هذا الأيرلندي المرتد أن يتكفلوا بتكاليف حجه إخدمهم أثناء الرحلة فقبل العرض سعيدا وأذكر عندما وصلنا إلى مكة المكرمة قال لي بعاطفة جياشة ك إن الله سبحانه نجاه من جهنم على الارض ويقصد بهذا فترة عبوديته في اسبانيا وفرنسا و أن الله سبحانه قد مكنه من الوصول غلى جنته على الأرض ويقصد بهذا مكة المكرمة ،وقد عجبت كثيرا لفرط حماسه وإيمانه ، لكنني أشفقت عليه. 
----------------------------------------------------


شيخ تاه في الجبال (02:59)

تأليف: ابن بطّوطة

جاور الشيخ أبو مهدي بمكة سنة ثمان وعشرين، وخرج إلى جبل حراء مع جماعة من المجاورين، فلما صعدوا الجبل ووصلوا لمتعبد النبي الله صلى الله عليه وسلم تسليماً ونزلوا عنه، تأخر أبو مهدي عن الجماعة، ورأى طريقاً في الجبل، فظنه قصيراً فسلك عليه، ووصل أصحابه إلى أسفل الجبل فانتظروه فلم يأت، فتطلعوا فيما حولهم فلم يروا له أثراً فظنوا أنه سبقهم، فمضوا إلى مكة شرفها الله تعالى، ومضى عيسى في طريقه، فأفضى به إلى جبل آخر، وتاه عن الطريق، وأجهده العطش والحر، وتمزقت نعله، فكان يقطع من ثيابه ويلف على رجليه إلى أن ضعف عن المشي، واستظل بشجرة أم غيلان . فبعث الله أعرابياً على جمل، حتى وقف عليه: فأعلمه بحاله، فأركبه وأوصله إلى مكة، وكان على وسطه هيمان فيه ذهب فسلمه إليه، وأقام نحو شهر لا يستطيع القيام على قدميه، وذهبت جلدتهما ونبتت لهما جلدة أخرى. وقد جرى مثل ذلك لصاحب لي أذكره إن شاء الله. 
----------------------------------------------------


اين وصلت في مذكراتك؟ (03:00)

تأليف: ابراهيم عبد القادر المازني

وكان أحدنا يكتب يوميات عن هذه الرحلة وكان يختصني بهذا السر، ولا أدري متي كان يكتب يومياته، فما رأيته قط خلا بنفسه أو بكر إلى مخدعه، وقال لي مرة: ((لقد صارت مذكراتي ضخمة. كتبت اليوم ست صفحات وكتبت البارحة سبعاً، وأول من أمس تسعاً، فما قولك؟ )) فقلت مستغرباً: ((كل هذا؟ وأي شيء وجدته يستحق التسجيل؟ )) قال: ((كل شيء. خطوط الطول والعرض، ووجه القمر، وأدوار الطاولة التي لعبتها وفي أيها كنت الغالب أو المغلوب، والأسماك التي رأيناها في البحر، بعضها يطير على سطح الماء، وبعضها يهاجم السفينة طلبا للقوت، والبواخر التي مرت بنا في الليل وحييناها والأمم التي هي تابعة لها — وعلى ذكر ذلك أسألك هل تعرف لماذا لا نري باخرة في النهار؟ ألا تعرف؟ — وكم كذبة كذبها … فلان … 
 اتضح فيما بعد أن أبقاء الرسائل في جيوبنا أسرع منن إرسالها من ينبع أو جدة.
اليوم، وحالة البحر والرياح، وأن كانت لا تتغير ولا نكاد تختلف يوماً عن يوم، وهذا ممل، أليس كذلك؟ وكم صورة أخذها رياض وكم صورة أخذتها المدموازيل عايدة، كل شيء، كل شيء، حتى لقد أفردت ((لأكلة الصيادية )) عدة صفحات، أنها تستحق ذلك فقد كانت اكلة غير منتظرة وكانت لذيذة، والفول المدمس! أوه. له وحده صفحتان. ألا تراه جديراً بذلك؟ مدهش. مدهش أن نأكل فولا مدمساً على الباخرة تالودي الأنجليزية! ))
فسألته بعد أن أنقطع نفسه: ((وماذا تنوي أن تصنع بهذه المذكرات بعد أوبتك؟ )) قال: ((سأطبعها وأنشرها: كم تظن أنها تساوي؟ أعني كم تتوقع أن أربح منها؟ )) قلت: ((تساوي: تساوي اذا اعتبرنا عدد الصفحات ووزنها قياساً على ما كتبت إلى الآن مائة جنيه أو مائتين .)) فصافحني مسروراً وهو يقول ((لقد قدرت لربحي مثل هذا … تماماً .)) فقلت مستدركاً: ((إنما أعني ثمن الورق الذي تملؤه … أما الربح فلا أدري. ربما كان أكثر وقد يكون أقل .)) فلم يضعف أمله وقال: ((تمام. تمام. تقديرك على كل حال مضبوط )) ومضى عني. ولما كنا عائدين من مكة سألته: ((إلى أين وصلت في مذكراتك؟ )) فطال وجهه وقال: ((يا أخي الحق أقول لك أن كتابة المذكرات عمل مضن. ثم أني لا أجد الوقت. نحن في حركة دائمة فمتي أكتب؟ على أني سجلت كل شيء في رأسي. فإن ذاكرتي قوية وأنا أذكر حتى الأحاديث بألفاظها ولو كان عمرها أعواما. فلا خوف. أنتظر حتى نرجع ونطمئن .))
----------------------------------------------------


ينبع (03:00)

تأليف: ابراهيم عبد القادر المازني

وبدت ينبع ملفوفة في الضباب، حتى جبال رضوي التى تظهر من ورائها خلناها ضبابا من أختلاط السحب برؤوسها، فاختلفنا وتراهنا، وشرعت السفينة تدور لتدخل المرفأ فقربنا جداً من الساحل وشاء الحظ الساخر أن يكون المكان الذي أشار إليه صاحبنا وأصر على أن الباخرة سترسو عنده، هو المقبرة. ورست الباخرة، في المرفأ لا أمام المقبرة، وأقبل الصبيان يسبحون إليها كالسمك وينادوننا أن نلقي اليهم بالقروش ليلتقطوها فرحنا نرمي اليهم بالقرش بعد القرش وهم يتزاحمون عليه ويغوصون وراءه ويتلقونه بأكفهم وهو يهبط في جوف الماء قبل أن يبلغ القاع، فمن فاز به دسه في شدقه، حتى أنتفخت أشداقهم وصارت وجوهم مشوهة بشعة المنظر. وركبنا زورقا إلى المدينة، وهي صغيرة فقيرة، وبها مساجد كثيرة أشهرها مساجد ابن عطاء والخضر والسنوسي، وأهلها وكلاء للتجار أو عمال لهم، وليس فيها زرع ولا ضرع، وبها آلة لتصفية ماء البحر للشرب يسمونها ((الكندنسه )) وهي لفظة محرفة عن الكوندنسر، فأستقبلنا قائم المقام الشيخ مصطفي الخطيب وهو من أهلها وكان عاملاً عليها في عهد الحسين لم تنحه الحكومة السعودية ترفعاً منها عن حماقات العزل والتأمير، وزرنا دار الحكومة وهي أبسط ما تكون: بضعة مكاتب في الدور الأرضي، وفي الدور الذي فوقه غرفتان أحداهما للقائمقام وفيها مكتب وسجادة ولشبابيكها ستائر، وفي الأخري مكتبان صغيران. وبعد أن شربنا القهوة النجدية ثم ((الشاهي )) كما يسمون ((الشاي )) أستاذنا وأنحدرنا إلى المدينة نطوف فيها إلى أن يخرج الأمير والناس من صلاة الظهر، فمررنا بالسوق وهي حارة ضيقة مسقفة على جانبيها الدكاكين فيها صنوف شتي من العطارة والبقول والمنسوجات والخبز والأسماك والجراد، وقد أكل منه زكي باشا، ولم يكن في الدكاكين أحد لأنه كان وقت الصلاة، وكان الطريق غاصاً بالأطفال يمشون وراءنا ويحفون بنا في خرق ممزقة ومراقع لا تكاد تستر شيئاً. فتساءلت: ماذا يحمي هذه المتاجر أن يسرق منها هؤلاء الغلمان الفقراء؟؟ فقيل لي أنه لا خوف منهم لأنه ما من أحد يجرؤ أن يسرق شيئاً. وبلغنا آخر السوق حيث المسجد وكان الناس قد فرغوا من الصلاة فوقف رجل أمام كوم من الكلأ وقطع من الحصير وأعواد من الخشب ببيعها بالمزاد، وكل ما أمامه لا يساوي ريالاً. ولم أر أمرأة ولا بنتا، إلا واحدة في نحو السابعة من عمرها ملفوفة في ملاءة قذرة وفي أحدي أذنيها قرط من العقيق، وقيل لي أن النساء لا يخرجن من البيوت، والأهالي خليط من كل جنس وملة، وسحنهم معرض للأمم الشرقية، فمن زنجي إلى جاوي، ومن عربي إلى مصري، ومن هندي إلى فارسي، ومن سوري إلى صومالي، وهكذا.
----------------------------------------------------


القافلة (04:53)

تأليف: جوزيف بيتس

ويصدر أمير الحج أمراً للقافلة بالتوقف في كل مدينة يمر بها، ليتيح الفرصة لمن يرغب للالتحاق بالقافلة، ويستقبل أهل المدن التي تتوقف عندها القافلة أمير الحج ببهجة بالغة لمكانته الدينية، فسعيد هو من يستطيع تقبيل يده، فإن لم يستطع فعباءته، ويمضي أمير الحج في موكب فاخر تصحبه الأعلام والطبول، ليس هذا فحسب بل إن النسوة يتزاحمن فوق أسطح المنازل التي يمر أمامها موكب أمير الحج، لرؤية المنظر البهيج، وتضع الواحدة منهن أربعة من أصابعها على شفتيها برقة وتزغرد، وصوت الزغرودة المرحة، يشبه هذا الصوت: يو .. يو .. يو وهن يكررن هذا الصوت الدَّال على البهجة مئات المرَّات.
وتصل هذه القوافل الأربع لمكة (المكرمة) في وقت واحد تقريباً، فلا يفصل بين وصولها إلا ثلاثة أيام أو أربعة فلا بدَّ أن تصل هذه القوافل جميعاً قبل عيد القربان أو كما يقول الترك عيد البيرام وهو عيد الأضحى – بستة أيام أو سبعة.
وقد يتساءل بعض من عرفوا مكة (المكرمة) أو على الأقل سمعوا بها أو قرأوا عنها – كيف يمكن لبلدة صغيرة فقيرة أن تستقبل هذه الأعداد الهائلة من الحجاج وتقدم لهم ولدوابهم المأوى والإعاشة؟ وإني أجيبك إن أهل مكة (المكرمة) يخلون أماكنهم للحجاج، فهذا الموسم بمثابة سوق لهم، فالمكي يؤجّر الغرفة في هذا الموسم لفترة لا تزيد عن ستة عشر أو سبعة عشر يوماً، بمبلغ يزيد ثلاث مرات عن إيجارها طوال العام. وإذا غصَّت مكة (المكرمة) بحجاجها وأهلها، نصب الحجاج خيامهم حولها حيث يقيمون إلى أن يرحلوا لديارهم. أما بالنسبة للمؤن فالحجاج يجلبون معهم ما يكفي إلا اللحوم التي يتحتم عليهم الحصول عليها من مكة (المكرمة)، أما الزبد والزيت والزيتون والأرز والبقسماط (البسكويت).. الخ فالحجاج يحضرون معهم ما يكفيهم لرحلة قدومهم ورحلة عودتهم وفترة إقامتهم بمكة (المكرمة)، بل إنهم يحضرون معهم أعلافاً لجمالهم فهم قد لا يجدون إلا قليلاً جداً من المراعي أثناء الطريق.

----------------------------------------------------


الطواشية (الخصيان) (02:38)

تأليف: جوزيف بيتس

وفي بيوت معظم أسر الطبقات العليا في مصر، طواشية (خصيان) مؤتمنون على الزوجات ويصحبونهم أينما ذهبن سواء للحمامات العامة أو إلى أي مكان آخر، ويثق سادة هؤلاء الطواشية – حقاً – فيهم ثقة كاملة، ويحترمونهم بل ويدعونهم بألقاب السادة، ويرجع ذلك لرغبتهم في أن يكونوا صادقين مؤتمنين على زوجاتهم. وثمن الطواشي مرتفع لأنهم يكونون شباباً عند خصيهم ولا يبقى منهم على قيد الحياة بعد الخصى إلا عدد قليل. وعادة ما ينمو جسم الطواشي نمواً هائلاً، وتكون أصواتهم أنثوية، كما يكونون مرداً لا ينمو الشعر في وجوهم.
----------------------------------------------------


حجاج الدرجة الثالثة بالباخرة كوثر (06:34)

تأليف: محمد لطفي جمعة

سارت الباخرة ما عدا موظفيها وخدمها (إلا من نوى منهم العمرة أو الحج) تختال بحملها ممن لبسوا البياض، فتلقى العالم كالفلاح والعامل كالأمير، وظهر حجاج الدرجة الثالثة على وجه البحر بعد أن كانوا في عنابرها وهي نوع من مقابر الأحياء أو كالذين وصفهم أحد الكتاب الغرباء في قصة (آلة السياحة في الزمان)  هؤلاء السفليون من الحجيج أجدر بالعناية ورب الكعبة من فريق الممولين، فإن الأغنياء قلة ينفق عليهم في وجبة واحدة أضعاف ما ينقف على ركاب الدرجتين الثانية والثالثة في وجبات عدة، وبين هؤلاء السادة مسافرون بدون مقابل، غير الجاه أو التوصية أو الملق والشطارة، وقد سمعت عن معاملة الدرجة الثالثة وهم خير الباخرة وبركتها، لأنهم يدفعون ثلاثة عشر ألف جنيه، في حين لم يدفع أهل الدرجة الأولى والثانية أكثر من أربعة آلاف جنيه والفرق في الأجور وإن كان ضعفين، إلا أن الفرق في العناية والخدمة عشرة أضعاف وقد تعود الناس أن يكتموا هذه الحقائق ليجاملوا ويحفظوا حسن المودة. أما أنا فقد علمت أن هذه المئات كانت تنام مكدسة، وأنهم جاهدوا حقا في أيام البحر جهاد الأبطال، وتغلبوا على المهانة والحرمان بالصبر والإيمان، واحتملوا من سوء معاملة الخدم الذين انقلبوا سادة، ما يثير النفس ويقتضى التذمر والعصيان، فما قولكم في طعام يقسم بكبرياء ومن وغطرسة كأنه صدقة يجود بها بخيل لئيم. وقال لى أحد المسافرين: إن الاستجداء أكرم مما تشهد أعيننا وتسمع آذاننا … ولكنه في سبيل الله ورسوله. ولست على رأيه. فإن الله يحبذ الذل إليه والطاعة لنبيه، ولا يرضى بالمذلة للصوص وللخونة والسفلة وقطاع طريق البحر، وطغمة المستغلين للدين والدنيا وهؤلاء الخدم في الباخرة قد جعلوا لهم رؤساء من الأوشاب كل عتل زنيم ينهر المسافر ويزجره ويتهمه ويقصيه، وقد رأيت خدما يحرمون سيدة وأطفالها من طعام الإفطار في الدرجة الثانية لأنها تأخرت دقائق معدودة عن جرسهم المنحوس. وما هذا الإفطار الذى تدفع عنه عشرين قرشا سوى فنجان من الشاى الرخيص ونقطة من اللبن المخزون وكسرة من الخبز، وإنك لتخجل أن تطعمه الكلاب، دع عنك بقية الطعام الذى ليس له اسم ولا وصف ولا طعم سوى وضعه في أوان تشبه الأطباق. هذا في الدرجة الثانية، أما فى الدرجة
الثالثة فقزان تغلى فيه حثالة الأسواق من لحوم خيل متحجرة إلى خضر من واق الواق، وشحم زهدت فيه عجلات القواطر، ورائحة تعافها أنوف المزكومين وتأبى النظر إليها محاجر الجماجم في المقابر، أما التوابل فألسنة للسب مشحوذة وأيد بالمن ممدودة وأعين دربت على نظرة السوء وأنفس بأحمال من الخبث والرياء لا تنوء، وبلغ البطر وسواد القلب من الطهارة والمقدمين أنهم يقذفون إلى البحر بما يتبقى من الطعام في القزان وبين المسافرين من لم يشبع، وإنهم لعقلاء وخيرا يصنعون، هؤلاء الطهارة والجراسن ليس السمك بأحب إليهم من حجاج بيت لله الحرام، وليسوا من السرف بحيث يقذفون طعاما يمكنهم حفظه لوجبة أخرى، ولكنهم يعلمون أنه إن أكل رجل منه كفايته يمسى ولا يصبح، وأن الطعام نفسه
لا يتحمل البقاء فى الوعاء بعد طبخه إلا ساعة أو ساعتين ثم ينقلب وباء، ومن العجيب أن الباخرة لم تسحب وراءها قناطير من الأسماك البريئة التى تذهب ضحية مآدبها الاضطراية.
----------------------------------------------------


اصحاب اللنشات (04:58)

تأليف: محمد لطفي جمعة

وكان بعضنا منشغلا بجمال البر والبحر، وبعضنا يحقق النظر في وجوه
الصاعدين ليجد السحنة الجداوية، فما رأى سوى زنوج وهنود وبخاريين وجاويين
وبدوا وليس لجدة طابع وإن كنا التمسناه في كل قادم. وقد جاء الحمالون
والبحارة في ثياب خلقة لحاجتهم منذ بداية الحرب وتوقف الملاحة، ولكنهم يتكلمون
ويتحكمون لعلمهم بأنهم يحتكرون النقل والتعدية، فلا الحكومة تعترض رزقهم
ولا تتصدى لهم ولا الحاج يتأفف لأول عهده بالحجاز وما زال سفطه عامرا. ثم
قبل ذلك وبعد ذلك لا جدال في الحج ونحن أحوج ما نكون إلى تلبية نكسب بها
أجرا لا إلى نقاش نوفر به دينارا.
غير أن شيئا واحدا لم يرق الحجيج، هو أن أصحاب اللنشات حملوها فوق
وسعها في الذهاب وأخذوا ما شرطوا، ولدى العودة منعوا أن ينزل من جدة إلى
الباخرة أكثر من أربعة أشخاص فى كل لنش فجاؤوا جدة قبل الحج ثقالا وعادوا
من جدة بعد الحج خفافا وقد بلغت معظم اللنشات من القدم ما لا تؤمن معه
عاقبة النزول بها.
تخزن من الموسم إلى الموسم ولا « الكهنة » ويخيل إلى أن تلك النقالات البخارية
تنشط إلا شهرا، ففيها المخرق والممزق والمحطم والمعرض للاحتراق والغرق، ولكن
لله سبحانه وتعالى كفيل بالنجاة والإنقاذ فيرسل الريح رخوا رهوا يزف موكب
أضيافة المحرمين القاصدين إليه يملأ شراع المراكب ريحا طيبة ويملأ نفوسنا
فرحا وزهوا، فتترامى إليك عن بعد أصوات الفرح والأغانى والأناشيد والزغاريد
المصرية التى تسمعها في الأفراح والأعياد فلا تبالى خوفا ولا حزنا، ولا تشعر إلا
بأنك محمول على أجنحة الملائكة وتبدو لك جزيرة سعد، وجزيرة سعيد وقرى
الصيادين، ثم يأخذك جمال البحر وبياض جدة كبطن سمكة فضية ممتدة تتنفس
الهواء وتداعبها أشعة الشمس الذهبية.
----------------------------------------------------


قبل المغادرة (04:45)

تأليف: محمد حسين هيكل

ولقد أحدث صعوده الأميرة خديجة حليم وصعود حاشيتها إلى الباخرة هَرْجاً بين الذين سبقوهم إليها؛ ولم أجد لهذا الهجر مسوغاً إلا في كثرة المودِّعين الذين كانوا أضعاف المسافرين إلى الحج عدداً. هؤلاء أقاموا على ما طبعتهم الحياة الحاضرة في نفوسهم من تقديس ذوي الجاه والإمارة. أما الذين فرضوا الوقوف بين يدي الله بالأماكن المقدسة فقد وجب أن تبرأ نفوسهم من كل تقديس لغير الله ما دامت قد فرضت أن تبرأ من الحوبات والأوزار جميعاً. وشُغلت إدارة الباخرة بالأميرة وما تختاره من الغرف لنفسها ولمن معها. فلما فرغت من ذلك أذِنت للخدم في دعوة الناس للطعام. وجلس طلعت باشا حرب مدير شركة مصر للملاحة البحرية إلى مائدة تتوسَّط غرفة الطعام، ودعادني إلى الجلوس معه كما دعا آخرين منهم محافظ السويس وحكمدارها الإنكليزي ورُبّان كوثر. ودار حديث اشترك فيه الربان بالإنكليزية تارة وبالفرنسية أخرى. وما كنت لأشير إلى هذا الحديث لولا ما أصاب الباخرة ساعة وصولها إلى جُدة. وتركنا الربانُ وما نزال على المائدة، فذكرت لزملائي عليها أن إنكليزيته وفرنسيته تدلان على أنه ليس إنكليزياً ولا فرنسياً. قال طعلت باشا: هو هو إيطالي. إذ ذاك توجَّهت إلى الحكمدار الإنكليزي وقلت مبتسماً: - ذلك خير. فلئن أصبح البحر الأحمر ميدان حرب بين إيطاليا وإنكلترا أثناء سفرنا لنونن في حمايته الإيطالية. وسارع طلعت باشا إلى التعقيب على عبارتي هذه بقوله: - لقد دعوته منذ نشأت الأزمة الدولية الأخيرة ونبهته في حزم إلى احتمال وقوع حرب يشتبك وطنه فيها، وسألته: ما يكون موقفه يوم ذاك؟ فأكد لي بشرف البحار أنه يخدم بإخلاص العَلَمَ الذي يُظل الباخرة التي يقودها كائنة ما تكون الأحوال التي تحيط به. وأردف الحكمدار الإنكليزي بهذه العبارة العميقة المغزى: - قد تكون الحوادث أحياناً أقوى من كل ما نُقسم به.
----------------------------------------------------


كوثر (04:30)

تأليف: محمد حسين هيكل

واستيقظت مع الصبح واستنشقت هواء البحر، ما أرقّه وأعذبه وأصحَّه!. وشكرت لله أنعمه وأنا في خلوتي المبكرة فوق سطح الباخرة أشهد شواطئ خليج السويس التي لم تزل قريبة منا. فلما آن ليقظة النهار أن تجمع أصحابي معي كي نتبادل من الحديث أطرافه ألفيتني في رفقة لم أُلفِ منها أحداً فيما سبق من أسفاري، وإن يكن منهم من سافر من قبل إلى أمريكا وأوربا، وإن يكن منهم من يقيم في باريس أكثر وقته. قال صاحبنا هذا:
- أوَلا تُعجبكم هذه السكينة التي غمرتنا على البحر منذ غادرنا السويس! ولو أن "كوثر" كانت مسافرة في رحلة الصيف إلى أوربا لسمعنا الموسيقى على العشاء، ولشهدنا فِلماً من أفلام السينما المسليِّة إن لم تحرك الموسيقى شجن ذوي الشجن إلى الرقص. أما وهو مسافرة إلى بيت الله بالذين يريدون وجهه فقط نَسيتْ ما ألفَت من ألوان المسرّة الساخرة واتشحت برداء من الحكمة هو وحده الجدير بوجهتنا. ولست أخفي عليكم أنني ابتسمت مساء أمس حين ذكرت ما كان على الباخرة التي أقَّلتني من أوربا منذ أسابيع من مرح شدّ ما كنا نستطيبه. واشتد بي الشوق أن أسمع إذاعة من مصر على الأقل أتداوى بها من ملال السفر على الماء. فلما جَنَّنِي الليل واشتملت الباخرة سكينته ولم أسمع إذاعة ولا موسيقى، تداويت عن طمأنينة العاطفة بطمأنينة القلب، واذكرت ما أنا مقبل عليه، فطابت إلى سكينة القلب نفسي، وجعلت من ذكر الله وتلبية دعائه أنيسي، وتذكرت أن الأقلين من أوتوا مثل حظي فداولوا في أسابيع بين النهل من ورد باريس وعلمها ومسارحها ومتاحفها ومجتمعاتها الحافلة بأسباب الأنس، وورد المنهل العذب للحياة الروحية بمكة عند بيت الله الحرام وبالمدينة مثوى قبر رسوله عليه السلام.
----------------------------------------------------


صلاة النساء (03:19)

تأليف: محمد حسين هيكل

وإني لأسير إذ لاقيت رفيقاً يمشي الهوينى فمشيت معه. ولم يكن رفيقي يخفي من آرائه حرصه على حجاب المرأة وعدم اتصالها بغير ذي رَحِم مَحْرم من الرجال، ولا يخفي اعقاده أن في التقاء الجنسين، وإن في مجمع حافل، محرِّضاً على الفساد. ولكنه إذ رأى هذا الاجتماع للصلاة يحضره الرجال والنساء في طُهر وإنابة لم يلبث حين سرت معه أن قال: - أرأيت هذا الاجتماع الذي ضمن الجنسين معاً للصلاة؟ إن طهارة القلب والقصد وسموّ الغاية كفيلة بأن تزيل كل خوف من اختلاطهما. ولو أن أخلاقنا صلحت وغايتنا في الحياة سمت لما تمسك بالحجاب أحد. وأقررت رأيه ولم أذكر له أن إقبال السيدات المصريات على الاشتراك في صلاة الجماعة على الباخرة إنما شجَّعهن عليه ما نلن في السنوات الأخيرة من حرية طوّعت لهن الاتصال بالرجال في تجارة الحياة، وأنهن لو بقين كما كّنّ رَهْن خدورهن، يراهن الرجال عورة، ويولّين من منظر الرجال فراراً، لما تركت إحداهن مِخْدعها ولا تناولت طعامها بالباخرة في غرفة المائدة لا يفصل بينها وبين الرجال إلا ستار رقيق، ولظللن حبيسات المخادع حتى يخرجن من الباخرة محمولات إلى مركباتهن، ثم إلى مِحَفّات الطواف والسعي.

----------------------------------------------------


نجدة زمزم (03:15)

تأليف: محمد حسين هيكل

إذ ذاك أصدروا بلاغاً قيل فيه إنه لا خطر منه والحمد لله على "كوثر" وركابها، وإن الباخرة "زمزم" الراسية بمرفأ جدة ستجيء لمعاونتها.
تلقَّى المسافرون هذا البلاغ بنوع من الإطمئنان لم يكن منه مفر، وزادهم طمأنينة سكينة البحر وصفاء الجو ورقة النسيم من حولنا. والشمس ساطعة يبعث ضياؤها إلى الأفئدة دفئاً يُنعشها ويزيل كل مخاوفها أن يصيبها من غدر البحر سوء. وهل يغدر البحر بمن أتوا إلى بيت الله حاجين معتمرين!. وتناولنا غداءنا ولم تكن "زمزم" قد ظهرت في الأفق. ومع لطف الله في قضائه لم تطاوع أحدنا نفسه أن ينزل إلى حجرته يقيل بها، بل بقينا نحدق إلى ناحية الأفق منتظرين الباخرة المنقذة. وقبيل الساعة الثالثة بعد الظهر، أي بعد ثمان ساعات من الحادث، تبدّت "زمزم" مقبلة، فشدت إليها أبصارنا وبقيت معلقة بها. حتى وقفت على مقربة منا تختار مكاناً يهيء لها القيام بالمهمة التي نُدبت لها حتى يتم انتقالنا إليها بسلام لإيصالنا إلى المرفأ. ذلك ما جاء في بلاغ رجال "كوثر"، وهو ما دار بخاطرنا. لكنا بقينا ساعة كاملة ننتظر هذا الانتقال ثم لم نر من بوادر التهيؤ له ما يبشر به. وسألنا في ذلك فقيل لنا: إن التفكير منصرف إلى تسحب "زمزم" "كوثر" من مكانها إن أمكن لتدخل الباخرتان جدة معاً. فيسدل ذلك على الحادث ستارً ينسى مَن علم بأمره في مصر وفي غير مصر أنه وقع. أقرّ كثيرون هذا الرأي حرصاً منهم ألا تشوب سفرة "كوثر" شائبة. وكاد هذا الرأي يسود لولا أن قال أحد الحاضرين: - فإذا فرض أن بكوثر عيباً يستره التحامها بالشعب ويبديه سحبها فتتعرض بسببه حياتنا للخطر، فما عسى أن يكون الرأي؟. أليس الأحكم أن ننتقل أولا إلى زمزم ثم تجر زمزم كوثر، فإن سحبتها من الشعب وعادتا معاً إلى جدة تحقق الأثر الذي تبتغيه الشركة ولم يتعرض المسافرون لخطر، وإلا عادت زمزم بنا إلى جدة قبل أن تضيع علينا فرصة الحد ولم يبق على الوقوف بعرفات إلا ثلاثة أيام؟ وسمعت السيدات هذا الحديث وكن منتحيات جانب البهو المقابل للرجال. فلما بدا لهن خوف الخطر إذا سحبت زمزم كوثر ونحن بها تقابلت نظراتهن في لمح البصر، ولم تلبث إحداهن أن اندفعت معبرة عن شعورهنّ جميعاً تقول: - لن تتحرك كوثر ونحن بها. فلينقلونا أولا إلى زمزم لنكون بمأمن على ظهرها ثم ليفعلوا ما شاءوا. وإذا وجب علينا، لأننا مصريون، أن نحرص على نجاة كوثر وسلامتها فواجب على الشركة أن تكون أشد حرصاً على أرواحنا. كذلك قالت، ثم حدّقت بنا معشر الرجال بنظرة الآمر، وأضافت: - هذا رأينا، وعليكم معشر الرجال أن تتشاركوا فيه وأن يبلغ للمختصين من رجال الشركة. لقيت هذه الكلمة في حزم تجلت فيه كل مظاهر الإرادة الصلبة التي لا تلين، وأيَّدت السيدات قول زميلتهن في حزم كحزمها. وكان الرأي ظاهر السداد، فلم يكن إلى التردد في تنفيذه سبيل. وأجابنا ممثل الشركة بأن الأمر استقرّ كما أردنا وأن تنفيذه يبدأ من فجر الغد، فقد أرخى الليل سدوله وسادت دولة الظلام.

----------------------------------------------------


"اللنش" (05:48)

تأليف: محمد حسين هيكل

وجرى بنا "اللنش" بين الشعاب قاصداً إلى الشاطئ والشمس وراء ظهورنا تنحدر إلى مغيبها. واتشحت اللجة الزرقاء الأديم بوشاح المغيب، فلم نأبه لها. وقد شغلنا عنها باستعجال غايتنا. ومررنا بباخرة محطمة. غرقت في الماء فليس يبدو منها إلا أعلاها. تلك هي الباخرة الفرنسية "آسيا" التي احترقت منذ سنوات أثناء وقوفها حيث هي اليوم من غير أن تصطدم بشعب أو يصادفها غير الأجل الذي سلّط ألسن النار عليها. وسرى إلينا نسيم المغيب فوق لجة الماء فأنعشنا وأنسانا بعض وصّب النهار. وتلوّى الزورق في انطلاقه متيامناً حيناً متياسراً حيناً محاذراً الشعاب مطمئنًّا إلى مهارة سائقه وإلى معرفته ما تحت الموج إلى قاع اللج معرفة يأمن معها الاصطدام بالسمريّ أو غير السامري من هذه الشعاب. اقتربنا من جدة وبدت لناظرنا دورها وعماراتها، وازدادت وضوحاً على رغم نزول الظلام، وكان مظهرها يغري بالظن أنها خططت تخطيطاً جميلا وبنيت على الطراز الحديث، وذلك الشأن في كل ما يبدو للمقبل في البحر من مظاهر اليابسة، فإذا اقتحمناه كنا كالجَّراح إذ يقتحم بمشرطه جسداً جميلاً. وشاهدُ "نابولي" أو "مرسيليا" أو "بيروت" قبل أن ترسو الباخرة باها يرى جمالا أدنى إلى جمال المرأة في ثياب زينتها. وأحسب الذين لم يعرفوا من ذلك ما عرفت قد خُدِعوا بمظهر جدة. وكان من حقهم أن يخدعوا بهذه المباني التي تمتد أمامهم على الشاطئ أميالا عدّة في نظام زاده البعد اتساقاً وجمالا.
وأرسى (اللنش) على درج صعدنا منه إلى الشاطئ. ولم يُثر إحرمنا تَطَلع أحد؛ إذ كان الإحرام لباس عشرات الألوف الذين يفدون إلى جدة كل عام حاجِّين. وتناول رسول وزير المالية جوازات سفرنا، وتخطينا بناء الجمرك ولا يكاد يرى الإنسان أثناءه طريقه لضالة نور المصابيح المعلقة إلى جدرانه. وتفضّل رسول مضيفنا فأمر من تقدمنا بمصباح ذى نور أبيض. وأفضى بنا الجمرك إلى ميدان فسيح لولا نور القمر لتعذَّر علينا أن نصل منه إلى جانب وقفت السيارات فيه وقد أعدَّت إحداها لتقلنا إلى أمّ القرى. الله أكبر! هأنذا بالأراضي المقدسة، بلاد النبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام. وبعد سويعة سأكون ف يالطريق إلى مكة. ما أكرمك ربي وما أعظم رحمتك ورضاك!. قضيتَ أن نحج بيتك ويسَّرت لنا سبيله، فتقبَّل ربنا حجنا وعمرتنا وهيء لنا من أمرنا رشداً.

----------------------------------------------------


قائمة المنيو (05:22)

تأليف: ابراهيم عبد القادر المازني

وقصر الملك في طرف من المدينة، وهو طويل عريض، مبني بالآجر، وله جناح جديد هو الذي دخلناه،  وصعدنا إلى حجرة عظيمة طولها — على ما أقدر — لا أقل من خمسة عشر متراً في نحو عشرة أمتار، مفروشة ببساط من المخمل، وعلى مدارها مقاعد عالية شبيهة ((بالكنب )) المصرى،
ومكسوة ((باليوت )) والمخمل، وكذلك ((براقع )) الستائر وفي وسطها صف من العمد يحمل سقفها، والجدران مكلسة، وكان الأمير جالساً في الصدر فنهض لاستقبالنا، فجلس وجلسنا وجاءت القهوة، ومن بعدها الشاهي أو الشاي. والأمير في الرابعة والعشرين من عمره، وهو نائب الملك في الحجاز كما أن أخاه الأكبر الأمير سعود — ولي العهد — نائب الملك في نجد، وثيابه ثوب أبيض ((كالجلابية )) المصرية فوقها سترة ((جاكتة )) رمادية عليها العباءة السوداء وهي رقيقة النسج شفافة، وعلى رأسه ((الحرام )) والعقال. وهو قسيم وسيم حلو النظرة عذب الإبتسامة وديع، ولكن نظرته حين يصمت تبدو حزينة، وفي تقوس شفتيه وذقنه مرارة لا تخلو من تصميم. أما القوة فآيتها أنفه الأقني وجبينه العريض. وأغرب ما في وجهه اجتماع اللين والصلابة والرقة والقوة، واختلاط ذلك كله وتسرب بعضه في بعض، وهو أنطق وجه رأيته بجميع هذه المعاني، غير أن المرء لا يسعه إلا أن
يشعر أن هناك زاوية وراء هذا المحيا الناطق يغيب فيها الأمير خواطره وأراءه الخاصة ويحجبها عن العيون الفاحصة. وقد كنت أتوقع — قياساً على ما شهدت في جدة — أن يكون قصر الملك أفخم رياشا وأفخر أثاثاً، فإذا به يمتاز بالنظافة التامة والبساطة الكاملة أما الأبهة فقد تركها لمن شاء من شعبه. وغرفة الطعام كأبسط ما تكون: حجرة مستطيلة تسع نحو مائة. في وسطها مائدة طويلة ساذجة صفت اليها الكراسي الخيزران، وأدوات الأكل تامة، والآنية كلها من طراز واحد، والملاعق والسكاكين وما اليها من الفضة، وقد تناولنا الطعام على الطريقة العربية وقضينا فيه أكثر من ساعة نتفكه عليه بالحديث، ولم يكن ثم نظام معين أو ترتيب معد للجلوس بل قعد من شاء حيث شاء، وقد احتفظت بقائمة الألوان، وهي مطبوعة على الآلة الكاتبة وفي نشرها دفع لكثير من الأوهام الصبيانية.
شوربة بالبزالية
دجاج رستو بالبورية
بامية
حلا كريمة بالكاكاو
بريك
دجاج بالكري
بدنجان اسود بالزيت
حلا كيك بالمشمش
رز بالشعرية
فاكهة
وقد علمنا من سموه أن الخضر تزرع في وادي فاطمة من مثل البامية والملوخية والباذنجان والخرشوف وما إلى ذلك، وفي الوادي فواكه
كالموز والليمون الحلو فضلاً عن الملح، وقد كان سموه يذكر ذلك بلهجة المباهاة، ولفتنا بصفة خاصة إلى الباذنجان، ولكني لم أستمرئه لأنه غليظ سميك الجلد غير سائغ الطعم. ولا أطيل على القارئ. ذهبنا بعد الطعام إلى حجرة أخري للجلوس، مؤثثة على طراز حجرة الاستقبال الكبري، ولكني استغربت أن أري فيها دولابا مما يتخذ للثياب، وأديرت علينا القهوة وأكواب الشاي، واشتهينا ان ندخن، ولكن التأدب منعنا، والناس لا يدخنون في حضرة الأمير او كبار النجديين لن الدخان مكروه عندهم، وكان الليل قد انتصف فاستاذنا في الأنصراف، ولو أنا كنا انتظرنا حتي يصرفنا هو لبتنا إلى الصباح، فما مما يليق عندهم أن يصرف الرجل ضيفه ولم نكد ننطلق بالسيارة حتى اشعلنا السجاير.
----------------------------------------------------


في وادي فاطمة (05:46)

تأليف: ابراهيم عبد القادر المازني

ووادي فاطمة واد — كما هو ظاهر بالبداهة — ولكنه غير ذي زرع كثير؛ فيه نخيل وأعناب؛ وفيه موز وبذنجان، وطماطم وليمون، وملوخية وبامية، وأحسب هذا كل ما فيه أو أكثره وله عين يترقرق منها الماء ويجري في مجري ضيق يستطيع المرء بأيسر مجهو أن يتخطاه من جانب إلى جانب، وإذا وضع يده فيه أي في الماء — لم تبتل إلا عقلة واحدة من أصبعه، وهم مع ذلك يباهون به ويعتزون، وقد هززت رأسي أسفاً حين رأيته — أعني الماء — وقلت لواحد كان واقفاً إلى جانبي وأنا أقوم بهذه التجارب: ((أن لنا في مصر نهراً عظيماً ينبع في جبال القمر على قول، ومن الجنة على قول آخر أظنه الصحيح، ويقطع إلى البحر الآف الفراسخ، وتستطيع الأساطيل الضخمة أن تغرق فيه إذا شاءت، ومع ذلك لا يكفينا ولا نقنع به، ولا تزال بلادنا أكثرها صحراء بلاقع كما هي هنا. فالحق أن بلادكم أو على الأصح فدافدكم، تعلم الزهادة وتروض النفس على القناعة .)) وهناك في قلب الوادي رأينا الخيام مضروبة، واحدة للأمير وأخري للأجتماع، وثالثة لموائد الطعام، فقد جلبوا إلى الصحراء أدوات الطعام كاملة لا ينقصها كوب من الزجاج ولا سكين ولا ملعقة، وقد عجبت لهم كيف استطاعو أن ينقلوها من غير أن تتحطم الآنية كلها! وكان الأمير قد سبقنا، والمكان قد أزدحم، وحف ممثلوا الدول بالأمير فجاءونا بكراسي وصفوها أمامه فجلسنا بينه وبين الناس، وبدأوا يلقون الخطب وينشدون القصائد بين يديه، يمتدحون فيها العهد السعودي ويصفون ما بلغت البلاد في ظله وبفضله، وساءني أن التلاميذ شجعهم اساتذتهم على المبالغة والغلو، ولم ارتح الى سماع كلمات ((العلي والمجد والقمة والسنام )) إلى أخر ذلك مما زعم التلاميذ في خطبهم ان الحجاز ارتقي اليه، وقلت لجار لي — وأظنه كان حجازياً — أن هذه
المبالغات السخيفة هي داؤنا جميعاً، واننا جميعاً — في مصر والشام والعراق والحجاز الخ — احوج الى مواجهة الحقائق وفتح العيون على الواقع وقياس ما بيننا وبين من سبقنا من الأمم، وأن من الاجرام أن نخدع انفسنا ونغالطها في هذه الحقائق، ومن الجناية أن تنشئوا هؤلاء الأطفال على التوهم ان بلادهم بلغت أوج المجد وارتفعت إلى القمة العليا وغير ذلك من الكلام الفارغ. وأنه أجدى عليكم أن يعرف كل أمرئ مبلغ ما يطلب منه في سبيل بلاده لتتهيأ نفسه لبذل الجهد الذي يحتاج اليه.
----------------------------------------------------


مازني واحد فقط... (07:24)

تأليف: ابراهيم عبد القادر المازني

ولكن ممثل الحكومة البريطانية — القائم بأعمال مفوضيتها في جدة — لم يرضه أن يكون ممثل الروسيا هو عميد الهيئة السياسية والذي ينطق بلسان أعضائها مخافة أن يتوهم العرب أن الروسيا مقدمة على أنجلترا ومفضلة عليها، فأستأذن الأمير في كلمة يلقيها ثم نهض فأعرب هو أيضاً عن شكره للحفاوة التى لقيها والكرم الذي غمره، وقد أشرت من قبل إلى هذه المنافسة بين الروسيا وانجلترا هناك، والحق أنها كانت أحياناً تبدو لنا مضحكة، أو على الأصح ممتعة. ولكل شيء آخر، حتى الخطب والقصائد، وفد تنفسنا الصعداء حين رأينا الأمير ينهذ وقلنا هذا ايذان بالأوبة إلى جدة، والراحة ولكنهم خبأوا لنا مشهداً لا أحسبني انساه ما حييت، فقد ساروا بنا بين النجد النظامية الى العراء، وهناك وقف الأمير وأوما الينا فدنونا منه ورأينا صفين من البدو النجديين ثيابهم شكول، وأكثرها زاه براق، وفي يسراهم البنادق وفي يمناهم السيوف مصلته وبين الصفين أربعة يروحون ويجيئون وأمامهم عبد يضرب بالدف؛ وهو يطول وبقصر؛ ويتثني ويتعوج، ويميل يمنه ويسره، ويقوم ويرقد ويتمرغ على التراب، والدف في يسراه، وفي اليمين عصا صغيرة ينقر بها، والأربعة وراءه يترنحون، والصفان على الجانبين يتوثبان، والمسدسات والبنادق ينطلق منها الرصاص في الهواء، والسيوف تلمع، ومع ذلك كله غناء أو شدو أو تهريج لا أدري، بكلام أعترف سمو الأمير نفسه أنه لا يتبين ألفاظه، وقد أذكرني ما رأيت حلقات الذكر في مصر، ولكن الذاكرين في مصر يلهجون بأسماء لله أما هؤلاء فقيل لي أن الغرض من رقصهم بالسيوف والأسلحة والدفوف تحميس الناس ليخرجوا للقتال. قالوا، ولا موجب لهذا التحميس ولكنها عادة بدوية قديمة مثلوها لنا ليمتعونا برؤيتها، وكان الواحد من هؤلاء البدو ربما خلع عقاله و ((حرامه )) ورمي بهما في الهواء ورماهما برصاصة وتركهما يهبطان إلى الأرض، وقيل لي في تفسير هذا، أن يخلع عليه الأمير جديداً عوضاً عن القديم الذي أطلق فيه الرصاص ويبقي العقال ملقي على الأرض حتى يقول له الأمير ارفعه عنها وهذا عندهم وعد — غير قابل للاخلاف — بأن يخلع عليه سواه. وظللنا هكذا لا ادري كم! واحر بنا أن لا نحس كر الوقت ومر الساعات ونحن نري هذا المنظر الساحر ونسمع الرصاص ينطلق أمامنا وفوق رؤسنا، ولا أكتم القاريء أن الخوف لم يفارقني لحظة، وأني لم أذهل عن نفسي ثانية واحدة، وأعترف أن يكنت أخشي يصيبني سوء — أعني رصاصة وأشهد لنفسي بالأدب فقد كنت لا أزال كلما تنحي ممثل انجلترا ليفسح لي مكانا إلى جانبه في الصف الأول اؤكد له أني استطيع أن أري من تحت أبطه، وأني لا أقبل في حال من الأحوال أن أحاذيه أو أرفع نفسي إلى مقامه، فكان يشكر لي تواضعي ويؤكد لى أنه سعيد بحيرتي، وأنه معجب بذلاقة لساني وقدرتي على الرطانة، فكنت أقول له: ((يا سيدي الوزير، أني عربي الأصل في الحقيقة وهذه البلاد بلادي في الواقع، فأنا لست هنا ضيفاً ولا يجوز لابن البلاد أن يسبق الضيق أو يتقدم عليه .)) وأتراجع خطوة، وأجعله أمامي، وأتخذ منه — بهذه الحيلة — مجنا دون
الرصاص الذي اتقي أن يصيبني، وقد صارحته بالحقيقة ونحن راجعون وقلته له: ((أن انجلترا غنية بالرجال فهبك قتلت فإن انجليزي يروح وآخر يجيء، وليس الذاهب بأفضل من الآتي ولكنه ليس في مصر — ولا في الجزيرة العرب على ما يظهر — سوي مازني واحد.
----------------------------------------------------


"فتح لله عليك" (05:02)

تأليف: ابراهيم عبد القادر المازني

وقيل: أذكروا أنكم مدعوون إلى مأدبة عشاء فى قصر الكندرة وأن هذه المأدبة رسمية تقيمها وزارة الخارجية أو إدارتها؛ وأن سمو الأمير فيصل سيحضرها؛ وأن ممثلى الدول الأجنبية سيشهدونها كذلك. فسألت عن موعد هذا العشاء فقالوا الساعة الثالثة بالحساب العربى؛ فتناولت ورقة وقلماً وألقيت نظرة على ساعتى الأفرنجية وشرعت أحسب، ولا أكتم القارئ أنى أخيب خلق لله فى الحساب، ولقد غلطت وزارة المعارف (المصرية) مرة — منذ نحو عشرين سنة — فكلفتنى أن أدرس هذا الحساب، فأعترضت وأحتججت، فما أجدى عنى إعتراضى شيئاً، فقصدت إلى ((ناظر )) المدرسة الخديوية التى نقلت إليها — وكان إنجليزياً — وقلت له: ((أن وزارة معارفنا تعتقد أنى كل امرئ يصلح لكل شئ؛ ولكنى أعرف من نفسى أنى لا أصلح لتعليم الرياضة عامة والحساب خاصة؛ وأصارحك أنى لا أصدق أن واحداً فى واحد يساوى واحداً ((هذا )) كما يقول شاعر عربى ((كلام له خبئ؛ معناه ليست لنا عقول )) وقد تكون أو لاتكون لنا عقول، هذه مسألة خلافية ندعها الآن، ولكن المحقق عندى أن العلوم الرياضية وفى جملتها هذا الحساب لا تدخل فى دائرة عقلى، فهل لك فى عونى على ما أريده؟ .)) فضحك وقال: ((وماذا تبغى؟ .)) قلت: ((تعفينى من التدريس للفرق العالية، وتقنع بأن تكل اليّ تلاميذ الفرقة الأولى، أعنى الحاصلين على الشهادة الإبتدائية فى هذا العام ليتسنى لى أن أحفظ الدرس أولاً؛ ثم ألقيه عليهم؛ فنتعلم معاً؛ وفى خلال ذلك تبذل وساطتك لتردنى مدرس ترجمة كما كنت. فسرته صراحتى ووعدنى خيراً،  ولقد ملأت والله الورقة كلها بالأرقام لأعرف كم تكون الساعة بالحساب الإفرنجى فى الحجاز إذا كانت الثالثة بالحساب العربى فى الحجاز أيضاً، فألفيتها تكون كل ساعة ما بين الأولى والرابعة والعشرين. إلا التاسعة مساء كما زعموا، وقد اتفق مرة أن أنتج حسابى الساعة التاسعة ولكنها كانت التاسعة صباحاً! فمزقت الورقة بائساً ورميت القلم من النافذة. وملت إلى واحد وهمست فى أذنه: ((أرجو أن تصدقنى! كم ساعة باقية لنا قبل هذه المأدبة؟ .)) فأخرج ساعة ونظر فيها وقال: ((ساعتان ونصف .)) فقبلته بين عينيه وقلت له: ((أنك آية من آيات لله فى الذكاء وحدة الذهن. ولو كان الحسد فى طبعى لحسدتك. فإن من المدهش ولا شك أن تستطيع عمل كل هذا الحساب المضنى فى ربع ثانية! فتح لله عليك! فتح الله عليك! .))
----------------------------------------------------


اقفاص الدجاج (04:43)

تأليف: محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي

ولأهل عيذاب في الحجاج أحكام الطواغيت. وذلك أنهم يشحنون بهم الجلاب حتى يجلس بعضهم على بعض، وتعود بهم كأنها أقفاص الدجاج المملوءة، يحمل أهلها على ذلك الحرص والرغبة في الكراء, حتى يستوفي صاحب الجلبة منهم ثمنها في طريق واحدة. ولا يبالي بما يصنع البحر بها بعد ذلك، ويقولون: علينا بالألواح، وعلى الحجاج بالأرواح. وهذا مثل متعارف بينهم. فأحق بلاد الله بحسبة يكون السيف درتها هذه البلدة، والأولى بمن يمكنه ذلك أن لا يراها وأن يكون طريقه على الشام إلى العراق، ويصل مع أمير الحاج البغدادي، وإن لم يمكنه ذلك أولاً فيمكنه آخراً, عند انفضاض الحاج، يتوجه مع أمير الحاج المذكور إلى بغداد، ومنها إلى مكة. فإن شاء دخل منها إلى الإسكندرية، وإن شاء إلى صقلية أو سواهما. ويمكن أن يجد مركباً من الروم، يقلع إلى سبتة أو سواها من بلاد المسلمين. وإن طال طريقه بهذا التحليق، فيهون لما يلقى بعيذاب ونحوها.
وأهلها الساكنون بها من قبيل السودان يعرفون بالبجاة، ولهم سلطان من أنفسهم يسكن معهم في الجبال المتصلة بها. وربما وصل في بعض الأحيان، واجتمع بالوالي الذي فيها من الغز إظهاراً للطاعة. ومستنابه مع الوالي في البلد، والفوائد كلها له إلا البعض منها. وهذه الفرقة من السودان المذكورين فرقة أضل من الأنعام سبيلاً وأقل عقولاً، لا دين لهم سوى كلمة التوحيد التي ينطقون بها إظهاراً للإسلام. ووراء ذلك من مذاهبهم الفاسدة وسيرهم، مالا يرضى ولا يحل. ورجالهم ونساؤهم يتصرفون عراة، إلا خرقاً يسترون بها عوراتهم، وأكثرهم لا يسترون. وبالجملة، فهم أمة لا أخلاق لهم، ولا جناح على لاعنهم.
----------------------------------------------------


منشر من كفن (04:15)

تأليف: محمد بن احمد بن جبير الأندلسي

والركوب من جدة إلى عيذاب آفة للحجاج عظيمة، إلا الأقل منهم ممن يسلمه الله عز وجل، وذلك أن الرياح تلقيها على الأكثر في مراس بصحارى تبعد منها مما يلي الجنوب، فينزل إليهم البجاة، وهم نوع من السودان ساكنون بالجبال، فيكرون منهم الجمال ويسلكون بهم غير طريق الماء. فربما ذهب أكثرهم عطشاً وحصلوا على ما يخلفهم من نفقة أو سواها. وربما كان من الحجاج من يتعسف تلك المجهلة على قدميه، فيضل ويهلك عطشاً. والذي يسلم منهم يصل  إلى عيذاب كأنه منشر من كفن. شاهدنا منهم مدة مقامنا أقواماً قد وصلوا على هذه الصفة، في مناظرهم المستحيلة وهيئاتهم المتغيرة آية للمتوسمين. وأكثر هلاك الحجاج بهذه المراسي؛ ومنهم من تساعده الريح إلى أن يحط بمرسى عيذاب، وهو الأقل. والجلاب التي يصرفونها في هذا البحر الفرعوني ملفقة الإنشاء، لا يستعمل فيها مسمار البتة. إنما هي مخيطة بأمراس من القنبار، وهو قشر جوز النارجيل، يدرسونه إلى أن يتخيط، ويفتلون منه أمراساً، يخيطون بها المراكب ويخللونها بدسر من عيدان النخل. فإذا فرغوا من إنشاء الجلبة على هذه الصفة، سقوها بالسمن أو بدهن الخروع أو بدهن القرش، وهو أحسنها. وهذا القرش حوت عظيم في البحر، يبتلع الغرقى فيه. ومقصدهم في دهان الجلبة ليلين عودها ويرطب، لكثرة الشعاب المعترضة في هذا البحر. ولذلك لا يصرفون فيه المركب المسماري. وعود هذه الجلاب مجلوب من الهند واليمن، وكذلك القنبار المذكور. ومن أعجب أمر هذه الجلاب, أن شرعها منسوجة من خوص شجر المقل. فمجموعها متناسب في اختلال البنية ووهنها، فسبحان مسخرها على تلك الحال والمسلم فيها، لا إله سواه.
----------------------------------------------------


بئر يوسف (02:45)

تأليف: جوزيف بيتس

وفي القاهرة بئر (بئر يوسف) عميقة عمقاً غير عادي وفوهتها حوالي عشرين قدماً مربعاً، وثمَّة ممر للهبوط إلى منتصفها يتخذ شكلاً دائرياً حول جدارها الداخلي، ويزود بالإضاءة من فوهة البئر، وإذا لم أكن مخطئا فهناك حوالي ثلاثمائة درجة من درجات السلم عريضة وتستمر حتى منتصف البئر، حيث يوجد نتوء دائرة توجد عليه ثيران لسحب الماء من قاع البئر، وثمة خزان كبير يفرغ فيه الماء المسحوب.
----------------------------------------------------